تسعون عاما بحثا عن مخرج
تسعون عاما مرت من عمر دولتنا و ما نزال نحمل أسلحتنا في باحات جامعاتنا و نخوض حروب داحس والغبراء فيما بيننا هناك بينما نفيض رومانسية على مشارف الحدود مع العدو اليهودي ، و ما تزال " سياراتنا " تنفث كل أنواع السموم من مداخنها العتيقة لأن عمرها الافتراضي و عمرها المقدر انتهى ولا نستطيع شراء غيرها لأن الرسوم و الجمارك ضعفي ثمن السيارة و لا يبقى يعمل فيها بصورة ممتازة إلا عمر العبداللات يطل من السماعات الكبيرة التي تليق بملعب كرة قدم بينما " دحشت دحشا " في بطن السيارة كي تتحفنا بالمارشات العسكرية التي لا نمل منها ولا نكل .
بعد تسعين سنة عجاف من عمر الدولة مانزال ليس لدينا دارا للأوبرا ولا مدينة للإنتاج الفني " بعناها بثلاثة ملاين دينار " ولا مسرحا قوميا ولا مكتبة عامة في كل مدينة ، و لا فريق كرة قدم " يفش الغل " و يلعب كما يلعب الكبار ، و ما نزال عاجزين عن الفرح و عاجزين عن الشعور بنبض الحياة يسري في عروقنا و كأننا نقف على الدور على أبواب المقابر .
بعد تسعين عاما من عمر الدولة ما تزال أكبر أحزابنا تحصل على مقعد أو اثنين من مقاعد البرلمان بينما عشائر تحظى بثلاثة مقاعد أو خمسة أو خمسة عشر ، و ما نزال نقبل ببيع أصواتنا الانتخابية بهاتف خلوي و نشتري أحذية بضمائرنا الانتخابية لأولادنا أو نسدد فواتير مائنا بثمن تلك الأصوات ، و ما نزال نعتبر أن الألو و ال اس ام اس هي أفضل وسائل حشد الرأي العام في المجلس النيابي لإعطاء الثقة أو منعها .
بعد تسعين عاما من عمر الدولة مانزال كما نحن ،ليس لدينا مطرب مشهور ، ولا قارئ قرآن معروف بين القارئين ولا شيخ دين محدث ليس فيه شبهة نفاق و رجفة صوت مصطنعة في القراءة و الإمامة ، و ليس لدينا كاتب تستضيفه الفضائيات الكبيرة لأكثر من دقيقتين أو ثلاثة ، ولا يقبض من اليمين واليسار ولا يعمل بالدعسة السريعة " إلا ..إلا من رحم الله وهم قليل " .
بعد تسعين عاما من عمر الدولة ماتزال المطبات في الشوارع أكثر من الأشجار ، والحفر أكثر من حاويات القمامة ، و ما يزال هم رجل السير الأول أن يجبي مخالفات ولا يسهل مهمات ، و ما نزال نرمي أعقاب السجائر من نوافذ السيارات و علب المشروبات الفارغة على زجاج السيارات التي خلفنا .
بعد تسعين عاما من عمر الدولة مايزال السارق من المسؤولين يسرق ولا يحاسبه أحد و يفر إلى لندن ولا يستعيده أحد ، و يطرد المستثمرين ولا ينتقده أحد ، و ما يزال الوزراء المستقيلين لا يكادون يخرجون من الحكومة حتى يذهبوا للعمل لدى الشركات الخليجية بأجور خيالية طالما أنه بات في سيرتهم الذاتية لقب وزير و هم يضعون كل أخبار الدولة وأسرارها في خدمة الشركة التي يعملون بها .
بعد تسعين عاما من عمر الدولة ما نزال ننتظر يوم الاثنين أو الخميس لنعبئ خزان الماء حتى يستحم الأولاد و "تشطف ربة المنزل " البرندة و تسقي قوار الزريعة اليتيم الموجود عليها ، و ما نزال نقبل بالحد الأعلى المسموح به من الفئران والصراصير في القمح المستورد ، و نأكل الخبز بشراهة و كأن الفئران تعطيه دسما أكبر و طعما ألذ ، و ما نزال ننتظر الحكومة حتى تعطينا دعم الكاز والغاز كما في جمهوريات الإتحاد السوفيتي السابق ربما أو ربما لا .
بعد تسعين عاما من عمر الدولة ما نزال نعلم أولادنا في الجامعات على حسابنا و نعالجهم على حسابنا و نخرجهم للحياة من دمائنا ثم يجلسون معنا في البيوت كالعوانس لأن الدولة لا توفر فرص العمل ولا فرص الهجرة حتى ولا أي بديل يعمل به الشباب ولا حتى التجنيد الإجباري .
بعد تسعين عاما من عمر الدولة مانزال ننتظر أن تتغير الحكومة أو تتعدل والدولة لا تضن علينا بذلك فلدينا سبعة عشر رئيس حكومة سابق على قيد الحياة ولدينا خمسة رؤساء من عائلة واحدة و لدينا أحزاب عرجاء و نقابات ممزقة و جمعية واحدة للدفاع عن حقوق المستهلك تأخذ مصاريفها من الدولة والشركات فكيف تحمي و كيف تراقب و رئيسها مدى الحياة لا يتغير ولا يتبدل ثابت من ثوابت الدولة الأردنية .
بعد تسعين عاما من عمر الدولة مانزال غير متأكدين ما إذا كنا نعيش بقوتنا أم بحماية الولايات المتحدة الأمريكية لنا ، و لا نعرف من من الوزراء والمسؤولين يحمل جنسية أردنية لأن الغالبية كما يقال يحملون الجنسيات الكندية أو الأمريكية أو الأوروبية و حتى الروسية ، بعد تسعون عاما من عمر الدولة ما نزال نشعر أننا نعيش في تغريبة كتغريبة بني هلال أو التغريبة الفلسطينية كما رسمها وليد سيف ولكن داخل الوطن أو ماتبقى منه .
بعد تسعين عاما من عمر الدولة ما يزال أكبر أمنية للشباب الأردني أن يحصل على " فيزا " لأمريكا أو كندا أو إقامة في الخليج حتى يخرج من حالة الضياع التي يعيشها الشعب هنا ..
من المسؤول عن هذا ، عن كل هذا ..؟!
من المسؤول من كان يعرف فليجب و سنصدقه مهما قال ..و "قلة الجواب جواب " !!