في العيد وسنوات المحل!
قضينا يوم العيد مع المؤمنين الذين يحتفلون بالجمعة الحزينة، وسبت النور وأحد القيامة!
جميلة اجواء العيد، فالاطفال يملأون جيوبهم «بالبرايز» التي وزعها الاخوان والاخوات والاخوال والاعمام، ويشترون كل ما تجود به الصناعة الصينية الرخيصة، وبيت العائلة «يفحفح» بروائح الجميد والسمن ويتلوّن بكل الوان الملابس الجديدة والمجددة، وتملأ روائح العطور خياشيم العجائز الذين يأخذون سمت الوقار في وسط تجمعات الشباب!
كانت الاعياد في مادبا ايام الاربعينات، وقبل «سنة المحل» اعياد خير، وغلال، ومحبة، وكان الاردن افضل مكان في الدنيا يمكن ان تعيش فيه هكذا قال كيركبرايت، وهذا كان رأي د. تينريو بعد اطلاق سراحه من الاعتقال، فتينريو كان ايطالياً، وكنا اعلنا الحرب على المحور!
جاءت سنة المحل، ومعها دائماً سنوات أخر، فكانت ايضاً «سنة» الفاجعة الفلسطينية، وكان العم سعيد، اذكى فلاحي العائلة، اخذ جَمَلَهُ الى شرق البلد وأطلقه، لماذا يا عم سعيد؟ اتريد ان ابقيه في داري وادفع خمسة دنانير «لترك» يشحطه الى شرق البلد؟!! معك حق! لكن العم الذي لم يتخل ابداً عن «الدعيم»، فقد شهدته يفرم اطباق القش ويضعها في المعالف، الا يمكن ان يعود القش الى «العقدة»؟ فالماعز تأكل الورق والعقدة!
في عيد المحل، كان الناس يتجمعون عند اغنى رجال العائلة لانه يستطيع شراء الأرز، ويذبح خروفاً، وعنده جميد العام الفائت، اكثر الناس تذكروا «منسف العيش» وماذا كان فرح الاطفال في العيد؟! كان الطعام الجيد ليوم واحد، فلم يكن في الدكاكين بالونات بعد ان اكتشف احدهم ان المعروض هو لزوم وقاية جنود الجيش البريطاني، من النساء المحترمات. وقتها رفض الباعة بيع هذه البضاعة الرديئة!
الآن نتذكر اعياد سنوات المحل، ولكن لم نتذكر ان احداً كان يضع الفقر والجوع على اكتاف الدولة.. وهي على أي حال لم تكن محبوبة لانها كانت تحمل الارث العثماني، فرجالها كانوا موظفي «العصملي» وهؤلاء سرقوا كل شيء من فلاحي مادبا.. من اجل إعاشة جنود السلطان، الذين كانوا يطرقون ابواب فقراء مادبا، ويمدون ايديهم: «يقمق افندم» او «يقمق خانم».. وهو الخبز باللغة التركية!
في سنوات المحل، كما في كل السنوات، كانت علاقة الناس الفلاحين لا تتعدى علاقة الارض بالمطر، الله الكافل وليس احداً غيره!
وكان المثقفون يعتقدون ان المطر لا يصلنا، طالما ان فلاناً في الحكومة! والدولة لم تكن كافلة الناس من الجوع والفقر والبطالة، ولم تكن هناك «معونة وطنية» ولا ضمان اجتماعي، ولا احزاب ولا اعتصامات!
كانت الحياة قاسية وبسيطة، وكنا نفهمها!
الراي