صح النوم...ناصر جودة !
منذ بدايات النكبة العربية الثانية ومنذ الشواهد الأولى عليها ولم يكن الخازوق الأول للخيمة الأولى بمخيم الزعتري قد دُق بعد في الأراضي الأردنية, حذرت الحراكات الشعبية الأردنية وغالبية القوى السياسية الوطنية على الساحة الأردنية من خطورة الوضع وحجم الكارثة المتوقعة ومدى تأثيراتها السلبية على الوطن والكيان الأردني على كل الصعد, ولقد فندت بعض التيارات السياسية بالتحديد والتفصيل ما نعاني منه اليوم, بل وما ينتظرنا خلف الكواليس التآمرية مستقبلا دون أن تلقى هذه التحذيرات بالا أو عناية واهتماما من أركان الدولة الأردنية أو دبلوماسيتها الخارجية أو الداخلية.
والآن وبعد أن وقع الفاس بالراس وباتت مالطا قاعا صفصفا, يطل الناصر جودة "ملك الدبلوماسية الخارجية الأردنية" المنصّب ويتبعه الوزير الأول "صاحب الولاية" ليجترّوا تحذيرات شباب الحراك التي حاولوا ايصال رسالتها منذ بداية الأزمة السورية, وخرج الإثنان وبصوت شبه ستيريو, ثنائي الصدى, بالصراخ والعويل والولوله: الحقونا...ما عاد فينا... الديموغرافيا الغريبة ستسحقنا.
لله دركما...صح النوم ناصر...صح النوم عبد الله...بدري والله.
ولماذا الآن؟
إما لأن الدولة الأردنية وسدنة سياستها يعانون من ضبابية الرؤى والرؤية, وتخلّفٍ باستباق الأحداث واستنباط النتائج المحتملة لحدث او مجموعة أحداث تجري بين ظهرانينا وحولنا القريب,
وإما لأن هناك تدليس على الشعب وضحك على الذقون وركوبٍ سمجِ وساذجٍ لقطار الشعب الخائف على وطنه ومستقبله من أجل غايات حكومية رخيصة وأنية تريد ضبط الإيقاع ولملمة المنثور والمكسور,
أو أن هناك نوايا استجدائية جديدة قديمة لدى دولتنا تحاول بها رفع الثمن المدفوع للتصفيات النهائية لقضايا دولية كثيرة وكبيرة ومستعصية على حساب الأردن وشعبه ومستقبله, والتي منها على سبيل المثال لا الحصر: الفلسطينية والسورية والعراقية المائرة في جغرافياتها الثلاث.
الكيان الأردني وعلى مر عقود عمره الحديث لم يكن مستقلا في يوم واحد أبدا, ولم يكن يتمكن من اتخاذ قرار واحد بعزلة عن تدخلات الغير او بعيدا عن الأحداث التي تتسابق وسياستنا والتغيرات المحلية التي تتبعها وتتأثر بها, ولم تكن الديموغرافيا الأردنية ثابتة أو قائمة على حيثيات محلية وعوامل ذاتية تنبع من احصائيات التطورات العادية ومعدل النمو الطبيعي للسكان المحليين, والتي يمكن قياسها والحدس بها على وجه الدقة او التقريب, بل كانت وعلى الدوام رهن التفاهمات او النزاعات الدولية من حولنا من فلسطين الى لبنان الى سوريا الى العراق بل وأبعد من هذا المحيط بكثير.
وأتت في الغالب بطفرات غير محسوبة ولا خاضعة لمعايير حسابية او هندسية لها بالرياضيات وعلوم المنطق أدنى علاقة.
ولكن حسابات السياسة الأردنية وقواعد لعبتها كانت وما زالت واحدة وثابتة منذ بدايات التأسيس وحتى الآن, ولم يكن في هذا الثبات ما يدعو الشعب الأردني للإطمئنان او الركون الى دهاة سياسة وطنيين يخافون ويسهرون على الصالح العام ومستقبل الدولة والشعب, الا في فترات وجيزة لم تستطيع التأثير كثيرا على السياق العام للدولة والكيان والنتيجة.
الوطن للجميع ومشاعية الوطن والأصول والمنابت هي الكلمات السحرية الظالة المظللة التي أدخلت الوطن في مأزق انعدام المعرفة المسبقة بالقادم, وعدم تحديد الهوية الوطنية الأردنية مع سبق الاصرار والترصد, هي الشيفرة التي أدت الى فقدان الاتزان والوزن للوطن والكيان, ومجاملات الأعداء والأصدقاء والأشقاء على حساب الأردن الماضي والحاضر والمستقبل, وعلى حساب دماء شهدائه ومن ضحوا من أجله, لهي الشعرة التي قصمت ظهر البعير, والتي أوصلتنا نتائجها, شعبا وحكومة ونظاما, الى حالة من التخبط والخوف من القادم والمجهول المعلوم.
الشعب الأردني العزيز والأقرب من واقع الأزمات وموضوعية ما يجري على الأرض من حولنا وفي بيتنا من كل المخوّلين بإدارة شأنه وأمره العام, أدرك قبل غيره أن المؤامرة أكبر وأخطر من مشاكل انسانية نساعد في حلها أو نتحمل مسؤوليتنا الدولية بشأنها, ووعا قبل غيره ومن يدير سياسته, بأن مشاعية الوطن وإسقاط الهوية الوطنية ليس لهما علاقة البتة مع مفهوم الأخوة العربية وطموح الوحدة والقومية, وما هما الا حصانين يجران عربة تصفية القضايا المشار اليها سالفا الى محطتها الأخيرة بعد أن مُهدت الطريق لها بمسخ الحس الوطني المنتمي واختزاله على أغاني وتهويس ليس له علاقة بالتجييش الوطني او روح الوعي الشعبي الوجداني المسيس, وذلك بمسخ المناهج وتفريغها مما يخدم هذه الغاية والهدف, وفكفكة كيان الدولة ومؤسساتها واقتصادها وبيع أصولها وثرواتنا الوطنية او رهنها الى الأبد للخارج حينا ولمنظومة فساد مرتبطة بالمؤامرة والخارج حينا آخر, ومن أجل سلبنا القدرة على القرار المستقل والدفاع عن مصالحنا الوطنية الذاتية, ومن أجل إيهام الشعب وترويضه على أن هذا هو قدرنا الذي لا نملك له دفعا أو تغييرا.
وعبر التاريخ فإن الخطوة اليتيمة التي جاءت على استحياء ولم تأخذ نصيبها من التنفيذ الصحيح والحازم على طريق الاستقلال والابتعاد عن المؤامرة, كانت قرار فك الإرتباط عام 1988 والذي انتظر اربعة عشر عاما منذ قرار الرباط في 1974 للبدء بتنفيذه حتى فقد صلاحيته وهدفه وتاه عن المرجو والمأمول منه, وبات اليوم سيفا على رقاب الوطن وهوية شعبه لا منقذا لهم.
وسؤال المليون, هنا والآن هو: هل يستطيع الأردنيون الأمل بأن يكون لدى دولتنا ودهاقنة السياسة والتخطيط الاستراتيجي الوطني فيها قرارا جديدا لفك الارتباط مع الأشقاء اللاجئين السوريين والفلسطينيين يجد طريقه للنفاذ الحازم أحسن مما نفذ به شقيقه الأول؟ أم أن الدولة باتت عاجزة لا مبادئة ولا مبادرة لديها ولا تستطيع الا الانصياع وتنفيذ أوامر البنك الدولي والمؤامرة الدولية للتقسيمات الجديدة للمنطقة وتهويد الدولة الصهيونية؟
وفي سياق المأمول والمنتظر الشعبي الأردني, إجراءات لمناطق عازلة داخل الحدود الأردنية الشمالية, لضبط الديموغرافيا الجديدة, تأخذ المصالح الوطنية بعين الاعتبار وقبلا عن كل اعتبار آخر, طالما أن الأحداث وما ينذر به المستقبل القريب قد جعل من المناطق العازلة خارج حدودنا ضربا من العمل المتأخر. وطالما أن الانسانية والقلب الرقيق قد تم استخدامهما لتدمير الدولة والكيان الأردنيين شر تدمير.
لا نريد إغلاق الحدود أمام الأشقاء السوريين المحتاجين للعون, ولكننا نريد ضبط السيل الجارف القادم من هناك, أمنيا وديموغرافيا واقتصاديا بما لا يفقد الأردني مصالحه وقوت عياله وموقعه في وطنه.
استقبلوهم عبر الحدود في حدود مضبوطة, وابقوهم ضمن حدود المخيمات الى حين عودتهم الى وطنهم وبيوتهم ولا تتركوهم ليصبحوا نسبة قليلة او كثيرة من الشعب الأردني العزيز, تستدعي صراخكم وعويلكم
إعملوا, يا ناصر جودة ويا عبد الله النسور واتركوا العويل والاستجداء لغيركم أو تنحوا لغيركم, حتى لا يسجعنا خطيب الزعتري ردا على المعروف بالقول: تبا لكم يا من استقبلتمونا في هذه البلاد!