خروقات نيابية خطيرة في قانون الضمان الاجتماعي
ايهاب سلامة
جو 24 :
في الوقت الذي كانت فيه قلوب الأردنيين تتجه نحو مدينة الرمثا التي شهدت أحداثاً مؤرقة ومقلقة، كان نوابنا منشغلون باقرار قانون يضمن شمولهم بالضمان الإجتماعي، وكأن ما يحدث في البلاد، لا علاقة لهم فيه من قريب أو بعيد..
الخرق البرلماني الخطير، تمثل باجازة النواب لأنفسهم، ولأعضاء مجلس الأعيان، حق الإشتراك بالضمان الإجتماعي، بتأمين الشيخوخة والعجز والوفاة، رغم أن النواب والأعيان، يتقاضون مكافآت، وليسوا عمالاً ولا موظفين، في استغلال وتسخير واضح للسلطة الممنوحة لهم دستورياً، لمنافع شخصية ضيقة.
الأخطر من ذلك، أن القانون الذي فصّلوه على مقاساتهم، يحتسب قيمة التقاعد أصلاً وفق متوسط رواتب المنتفع خلال آخر ٦٠ شهراً من خدمته!
بمعنى، أن النائب أو العين الذي كان مشتركاً بالضمان الإجتماعي قبل عضويته في البرلمان، براتب وقدره ٨٠٠ دينار مثلاً، واشترك الان ثانية وفق القانون المعدل، فسيتم احتساب تقاعده لاحقاً، حسب مكافأته الحالية من مجلس النواب البالغة ٣٥٠٠ دينار، وليس الـ ٨٠٠ دينار!
قانون الضمان بطبيعة الحال، يشترط أن لا يتجاوز راتب المنتفع بحدود ٣٢٠٠ ديناراً، وفق آخر حسبة له، وقس على ذلك أيضاً أن النائب أو العين الذي يتقاضى تقاعداً من الضمان الإجتماعي، وفق رواتب سابقة أقل من مكافأته الحالية، سيتم احتساب تقاعده حال اشتراكه مجدداً وفق راتبه الحالي الأعلى!
اذاً، نحن نتحدث عن مبالغ تقاعدية مستقبلية مرتفعة جداً، سيتم اقتطاعها من صندوق الضمان، وفق أسس غير عادلة، تضرب الدراسات الإكتوارية التي رسمت طريقاً قاتماً للضمان الإجتماعي، عرض الحائط.
الخرق الآخر، أن البرلمان الذي يفترض به أن يكون حارساً على القانون، والدستور الذي ينص على أن الأردنيين سواسية، أحلّ لنفسه ما حرمه على غيره، فشرّع تقاعداً لمن لا يحمل صفة العامل أو الموظف.. فلا يعتبر ما يتقاضاه النائب والعين راتباً، بل مكافأة، الأمر الذي يحتاج إلى فتوى عاجلة من الديوان الخاص بتفسير القوانين، بقانونية تشريعهم من عدمه.
الأدهى من ذلك، أن قيمة إشتراكهم الشهري في الضمان، لن يتم اقتطاعه من مكافاتهم، ولن يدفعوا منه قرشاً واحداً، بل ستتكفل به خزينة الدولة!
في المقابل، حرّمت تعديلات القانون، على الشباب والشابات الذين تقل أعمارهم عن 28 عاماً، من تأمين الشيخوخة، ما يخفض رواتبهم التقاعدية لاحقاً بنسب كبيرة!
كما رفعت ذات التعديلات سن التقاعد المبكر للذكور إلى ٥٥ عاماً، والإناث إلى ٥٢ عاماً، ما يعني أن الفارق الزمني بين التقاعد "الطبيعي" والمبكر، قد تم تقليصه إلى ٥ سنوات فقط، أي أنه ليس بعيدأً عن تقاعد الشيخوخة بفارق السنين، لكنه حتماً يبعد عنه بفارق مبلغ التقاعد!
بالأصل، يفترض بالمشرّع أن لا يستفيد مما يشرّع، ولا أن يطوّع القانون خدمة لمصالحة الخاصة، وإلا، فان البرلمان يتحول إلى مجلس إدارة شركة مساهمة، لا سلطة تشريعية رقابية تحتكم الدولة كلها لقوانينها وتشريعاتها!
القانون الحالي، إذا تم تمريره من مجلس الأعيان، تظل المراهنة على جلالة الملك لرده، وتصويب خلله، كما فعل جلالته بقانون تقاعد النواب، لعلنا حينها نسمع صدى صفعة ثانية، للمجلس الذي لم يعد النقد ولا الهجوم عليه مجدياً، بعد أن غسلنا أيدينا منه تماماً.