الوطن هو الغالب يا ساسة
د. محمد أبو غزلة
جو 24 :
انبرى الساسة والمستكتبين في استغلال حراك المعلمين للمطالبة بحقوقهم والذي تتفاوت حوله الآراء بين مؤيد ومعارض بسبب الظروف المختلفة التي يعيشها الوطن، فالدعم الشعبي الكبير لهذا الحراك لم تستطع الحكومة إدراكه لغاية الآن، ولم تستطع فهم خليفيه هذا الدعم الشعبي والذي أتي نتيجة السياسات القاصرة التي تنتهجها الحكومات في تجويع وافقار الناس، وضعف قدرة القائمين على إدارة بعض أجهزة الدولة، والذي تم اختيارهم وفق أجندات وتنفيعات تمت على حساب أبناء الوطن، ولم تدرك الحكومة أيضا بأن اولياء الأمور والمؤسسات والأفراد على اختلاف مشاربهم لا يقبلون بأن يمس الوطن وأمن الوطن بسوء، وأنهم يعتصرون ألما على ما يحدث من ضرر نتيجة تعطيل الحياة العامة والتعليمية خاصة، والإضرار بمصالح الطلاب نتيجة سياسات فجة وردود فعل عواقبها غير محمودة.
يدرك الأردنيون المخلصون وعلى امتداد ساحات الوطن بأن الغلبة ستكون للوطن وليس للقائمين على إدارة شؤون مؤسساته، ويدركون أيضا أن الاستعانة بالمستكتبين من أصحاب الأقلام الذين اختاروهم الساسة للدفاع عن السياسات والقرارات التي أدت بناء بالوصول إلى حالة التردي التي نعيشها اليوم تؤسس لفتنة بين مكونات الشعب من خلال هذه الأقلام المأجورة، وأن الحكم والمواعظ والتوجيهات التي يسوقها المستكتبون علينا تحت شعار خدمة الوطن والمجتمع والتفاني والتضحية من أجله تتنافى مع ما يقمون فيه من فساد وسرقة لخيرات الوطن وممارسة لكل أصناف الأقصاء والتهميش والتخوين والاستحواذ على مكتسبات الوطن.
إن علاقة الإنسان بوطنه يا ساسة هي علاقته الطفل بأمه وأسرته حيث الشعور بالأمان والراحة النفسيّة والاطمئنان والعدالة والمساواة، فالواجب عليكم أن تعترفوا بحقوقه وتحترموا له كرامته حتى يؤدي واجباته اتجاه وطنه، فالواجب عليكم يا ساسة الكف عن العبث بثوابت الوطن والبعد عن التحشيد والتجييش وإثارة الفتن بين مكونات المجتمع بدعوة الوطنية التي تفتقدونها فلا يعقل ولا يقبل أن تقود سياساتكم إلى دفع المعلم بأن يقف بوجه أخيه رجل الأمن، والشرطي أمام معلمه؟ أو العكس فكيف تسموحوا لأنفسكم بالعبث وتفكيك الروابط بين منظومة القيم الإنسانية الوطنية والاجتماعية الأسرية والدينية التي نشأ عليه هذا المجتمع؟ وكيف لكم وأنتم من سرق موارد الوطن، وتهربتم من أداء واجباتكم نحوه، وتلونتم بألوان قزح وتسلقتم على أكتاف المواطن وتتبوأون المواقع وتسطون على حقوق المواطنين، وتسلبون منه الشعور والمذاق الذي يتشاركه مع المخلصين بالولاء والانتماء لوطنه وامته، فكيف لديك الجرأة في التنظير واتهام الشرفاء من مختلف الشرائح والمكونات، وقدموا أبهى الصور الحقيقية في الانتماء والولاء للوطن على امتداد الوطن.
إن ما يحدث على الساحة الأردنية من تجاذبات تنذر بالخطر سببها غياب المشروع للإنسان الأردني وتامين الحياة الكريمة له ولأسرته حتى يبقى يئن من الألم والجوع تجسيدا لسياسية التركيع لتمرير الأجندات المشبوهة التي تزدحم فيها أروقة الصالونات السياسات وتوكل إلى المتكسبين، فماذا قدمت الحكومة يا ساسة لتدارك كل الآزمات التي عصف بالوطن منذ تشكيل الحكومة وفشلت في إدارتها، أو في حراك المعلمين الذي أعلن عنه منذ شهر مايو من هذا العام؟ وماذا قدم القائمون على إدارة الهرم التعليمي منذ نشأة النقابة لتدارك كل حراكات المعلمين منذ نشأة النقابة غير الشيطنة في التعامل مع هذا الحراك وتقديم كل ما من شأنه تأزيم الموقف للمحافظة على كراسيهم؟ لقد تدخل الكثير من الشرفاء للدخول كوسطاء لإنهاء فتيل الأزمة، وقدم الكثير من الحريصين على الوطن الآراء والدعوات لجميع الأطراف من أجل ردم الفجوة بين المعلمين وبين الحكومة، وطالبوا بالالتفات إلى مصلحة الطلبة والمعلمين والوطن من خلال قنوات الحوار. لكن على ما يبدو أن التفكير العرفي والقانوني هو المسيطر على عقول من يديرون الأزمة دون أن يدركوا أن اللجوء إلى مثل ذلك سواء أكان بالاعتداء على المعلمين أو للجوء إلى القانون لحل النقابة سيقود إلى نتائج أكثر كارثية مما لو كانت النقابة قائمة وأن الخاسر الوحيد ليس الطالب بل الوطن بأكمله.
إن الأردني يا ساسة ومنذ فجر التأسيس بنى له وطنا أصبح ملاذا لكل المقهورين والمهجرين والمضطهدين في العالم، والأردني يا ساسة بنى وطنه بالمحبة والتسامح وكون له أهلا وأقرباء وأصدقاء ومعارف في كل بقاع العالم التي عمل أو احتك بشعوبها، فلماذا تفقدونه حقة بالشعور بالأمن والامان والعدالة والانصاف والحق في التعليم والصحة، والتعبير والتفكير والاختيار والانتماء إلى منظومة اجتماعية تحترم وتقدس مبدأ تكافؤ الفرص والتنافسية، لماذا يتم تقييد الحرية المحمية بالدستور؟، فكيف لكم وانتم الفاسدون تطلبون منه الانتماء والإخلاص وتقدير حال الظروف السياسية الاقتصادية والمالية التي يمر بها الوطن وتنهبون الوطن، فالوطن يا ساسة بالنسبة لكم هو المكان والمكسب يتغير وفق ما تنالون منه من مكاسب، أما الوطن بالنسبة للمخلصين والقابضين على الجمر رغم حقوقهم المسلوبة فهو الحياة التي تسكن العقل والقلب.
وانطلاقا من حرصي الدائم على أمن وسلامة وطني، وأجهزته الأمنية التي هي مصدر عزنا وافتخارنا، والتي تدفعونها للصدام مع الشعب، وللمساهمة في نزع فتيل الأزمة وبعيد عن هشاشة فكر القائمين على إدارة النظام التعليمي وضعفهم حتى في ممارسة أعملهم، وعلى الرغم من قدرتهم على ممارسة السلوكات الشيطانية وإقناع أصحاب المعالي برفض كل المقترحات التي يتقدم بها المخلصون للوطن، فإنني أعيد طرح مجموعة من الحوافز المادية والمعنوية، لتشكل قاعدة للتفاهمات بين المعلمين والحكومة، وتسهم في التأسيس لعلاقة تشاركية تحفظ الحقوق كاملة لكافة الطراف، وهي إجراءات إذا ما أرادات الحكومة أن تتبناها فهي سهلة التطبيق وهي بالأصل دورا من أدوراها، ومسؤولياتها تجاه مختلف المواطنين وعلى رأسهم المعلم صاحب الرسالة، وتتمثل هذه الإجراءات بما يلي:
1-تعديل نظام بعثات المكرمة الملكة لأبناء العاملين في القوات المسلحة وأبناء العاملين في وزارة التربية والتعليم وتوحيدهما في نظام واحد بحيث تطبق نفس الأسس على جميع الطلبة.
2-إعفاء أبناء العاملين في وزارة التربية من التبرعات المدرسية وأثمان الكتب المدرسية الرمزية.
3-توفير مساكن بأسعار رمزية مناسبة للمعلمين في مناطق مديريات التربية والتعليم التي يعملون فيها وفق معايير وأسس تنظم ذلك وللدولة تجارب كثيرة ومتنوعة في مختلف محافظات المملكة.
4- منح المعلمين قطع أرض من أرضي الخزينة وفق تجمعات سكنية.
5- صرف بدل تنقلات او توفير وسائل نقل للعاملين في المدارس والمديريات كما هو الحال في المؤسسات الأخرى وحسب المناطق المختلفة.
6-صرف بدل ملابس للمعلمين بشكل فصلي أو سنوي.
7- تطوير المسار المهني محل الخلاف بما يكفل تنظيم حقوق جميع الأطراف وربطه بنتائج الأداء التعليمي بحيث تكون الموافقة على ذلك هي الشروط لتطبيق باقي الإجراءات المقترحة.
8-تطوير نظام سلك تعليمي خاص بالعاملين في الوزارة على غرار نظام السلك القضائي والدبلوماسي وغيره.
9-تعديل قانون النقابة بما يكفل حق جميع الأطراف على مبدأ التكامل والشراكة الحقيقية بينهما.