وصفي التل نظرة من زاوية "حادة"
خلدون عبدالسلام الحباشنة
جو 24 :
نجح الأردنيون بعد اغتيال وصفي التل "شهيد الغدر" في تجاوز اخطر مخطط كان تنفيذه يهدف إلى تفجير حرب أهلية جديدة على غرار الحرب اللبنانية التي اندلعت في أجواء سياسية عربية متقاربة من حيث ارتدادات الهزيمة والفشل.
اغتيل الشهيد التل بمخطط صهيوني أميركي في بعده الجوهري بينما الظاهري كان مبنيا على إدارة استخبارية ذكية اعتمدت قراءة أكثر دقة للواقع العربي المشحون سياسيا، كان عبدالناصر واليسار العربي برمته في حينه قد نجح في تطوير قضية جديدة قفزت على القضية المركزية وهي احتلال فلسطين عبر أخذ الجماهير إلى صراع مع ما وصفوه بالرجعية العربية حيث استطاعوا إقناع الساخطين على أنها السبب المباشر للهزيمة.
توظيف أدوات القتل المباشر في هذه المرحلة لم يكن مستندا فقط إلى ربط بين أحداث السبعين التي كانت في الأساس -صراعا بين دولة وميليشيات مسلحة نجح التل في إنهاء الموقف لمصلحة دولة- بل كان يتجاوز باتجاه التأسيس إلى مرحلة دموية كان مقررا لها أن تستمر لعقود عبر تغذية مزدوجة، وهو ما كشفه الواقع العربي بعد وصفي بعقود، حيث يقبل البعض أن تفني الدولة في مكان ما شعبا كاملا من أجل القضاء على مجاميع مسلحة بينما ينكرونه على الأردن حتى اليوم، مع أن الدولة التي حماها وصفي والمخلصون معه من كل الأطياف هي التي كفلت لجم ردود الفعل التي كان مقررا بحسب الخطة أن تفضي الى فوضى وحمام دم.
استعراض سيرة التل الشخصية والسياسية يشير إلى أن الرجل يمتلك استراتيجية بناء ويمتلك خطة عسكرية لإعادة الزخم للقضية الفلسطينية، من هنا شكل فكره وخطته إحراجا كبيرا للأنظمة العربية والغربية.
النظر من زاوية حادة لا يعني التركيز على جريمة اغتيال الشهيد وحدها وارتباطها بشخص الرجل أو مكانته السياسية والوظيفية بل يرتكز الى المشروع وحجم المشروع الذي مثله الراحل التل.
نعم تجاوز الاردن الجريمة، وفوت الأردنيون والفلسطينيون معا اخطر مرحلة في تاريخهم المعاصر، لكنهم للان يستذكرون المشروع الذي تبناه وصفي التل وعاش وناضل وقاتل وقتل من أجله، لهذا لا يزال وصفي يشكل إحراجا للجميع حيا وميتا لأنه امتلك القوة والشجاعة في بناء الاردن وفي القتال دفاعا عن فلسطين حتى بلغت به الجرأة السياسية والعسكرية أن يخطط لتحرير، خاصة بعدما استقر الوضع على انقسام دموي داخل فلسطين المحتله وهو ما كان يحذر منه الشهيد وصفي التل.
نعم ارتبط التل بالهوية الوطنية الأردنية، وشكل اغتياله صدمة مروعة لكن اغتياله ايضا كشف عن مكانته العظيمة لدى الشعبين الأردني والفلسطيني باستثناء الثلة التي كانت ومازالت تعلي من موجات الصراخ السياسي سعيا إلى الاستجداء المالي في مسرحية الاستعداد للمعركة التي لم تاتي حتى اليوم.
التغذية الفكرية والسياسية والوطنية والعربية التي تليق بالشهيد وصفي التل في ذكرى استشهاده هي فقط أن نقرأه بما يليق بمشروعه، وانجازاته، ودوره ومرحلته، هنا فقط سيعرف أن وصفي التل كان ومازال وسيبقى مصدر قلق وإحراج للجميع.