"مافيا الإعلام" و سوق تجار الكلام
خلدون عبدالسلام الحباشنة
جو 24 :
تجميل تشوهات الذوات ، تأثيث النفوس الخربة ، بهدف الانتقال من هامش الحياة إلى متنها ، تدفق لغوي متفاوت الخطورة من حيث البنية والمعنى خلق اقلام مستلبة مقموعة مهزومة ، تتحرك آليا على إيقاع خطابية مفضوحة ، لنعترف أننا فقدنا التوازن أمام ارهاصات ذاتية راكمت الهدر النفسي واللغوي ومارست الإغداق المدائحي على من لا يستحق ، حتى اقتنع بالكذب وصدق بالوهم أمام محوري التواطؤ الرئيسيين : بريق المفردة وفتنة التكنولوجيا مع غياب كامل لثقافة الرقمية في مواجهة فوبيا التشفيه وامكانات السرد اللامتناهية التي أوجدها واقع التوظيف غير البريء للقلم .
لماذا تتراجع الأقلام ؟ أو لنقل معظمها ، الإجابة العلمية الدقيقة على هذا السؤال تستدعي البحث في الخصوصية الثقافية والحضارية والاجتماعية والاقتصادية لحامل القلم في واقع بات في اتجاه واحد هو السيطرة والتحكم والاحتكار وتأكيد فاعلية القوة " المالية " على القوة "الذهنية"
إن كانت الكتابة هاجس المبدع ، فإن القراءة هي هاجس الاكثر إبداعا ، لكن الصراخ المجاني ، والتهويل الطفولي ، والضعف المستخف بالذائقة من خلال سرعة النشر ، وغواية تصدر المنابر ضر اكثر مما نفع ...
في الوعي الفلسفي العام يحسب الصحفي والإعلامي على فئة المثقف المنتج للأفكار والنظريات المعبرة عن ما يدور في المجتمع ، وهو ما يجعله في مواجهة مباشرة مفروضة عليه مع " السلطة " مع المسؤول لكننا وللاسف تنازلنا عن وظيفية ثقافية هي أرضية الصحافة للقبول بدور
" العراب " وقعنا واوقعنا مجتمعا برمته في متاهة قرائية ذات منحى تجاري .
الصحفي والإعلامي ليس شاعرا ! وان كان الشعراء افضل حالا ربما لأنهم احيانا يقدمون نبوءة قد تتحقق ،
ليس دلالا رغم أن الدلال يمارس وظيفة واضحة المعالم ، بل هو رجل الموقف والوثائق ، رجل اللغة التي تنهض بمن يسمعها أو يقرأها أو يراها ..
تراجع المعيارية القانونية والأخلاقية وتدني الإنتاجية النوعية ، غياب الموقف الذي ليس شرطا أن يكون صداميا جعلنا في سوق حقيقي لبيع الكلام ، ووجوه وأقنعة تتهافت على شرف في العلن وخسة في السر سلمت اخر خندق من خنادق المجتمع .
ازدواج الشخصية خلق تعارضات متناقضة ، وحاجز الخوف خلق ازدراءا وتنمرا وسطوة ليست سوى جانبا من أعراض سقوط هدفنا في أيدي متنفذين سياسيين واقتصاديين ينفذونه على النحو الذي يريدون ، في الاردن كما في العالم العربي برمته فوضى الاسم واللقب في الاعلام أنتجت مجرد عناوين فنية تستهدف خلق الأثر العاطفي لدى الناس .
أزمة الصحافة الورقية ، غياب النقابة ، تزايد أعداد الصحف والمواقع الإلكترونية ، انتخابات مجلس نقابة الصحفيين المقبلة ، تحليل هذه العناوين آخذ بالتزايد هذه الأيام ، حتى اسماء من يطروحون أنفسهم لمجلس نقابة الصحفيين يجري تحليل مكنوناتها لكن للاسف على أرضية النفع والفائدة والعلاقة الشخصية في كشف مباشر عن غياب البنية التنظيمية النقابية في التفكير .
يجب علينا أن نعي أن حياتنا المعيشية اولا تتغيير عندما نعي قيمة وأهمية وموثوقية ما نقوله كصحفيين !
لان الإعلام والصحافة في الأساس معني بمنتج الحقيقة الذي يجعل حياتنا وحياة الناس افضل ، ولأن الإعلام ووسائله الكفؤة ذات القيمة تحقق أرباحا مالية افضل ايضا .
مشروع هيكلة الإعلام في الوزارات والمؤسسات الحكومية يعتبر مشروعا إعلاميا اصلاحيا ، رأت فيه قوى الشد العكسي ترفا لا يمكن تطبيقه هذا على المستوى الرسمي ، على المستوى الخاص في الاعلام تتفاعل تناقضات الذات بشكل كبير ، ولهذا سنبقى تائهين في غابة وسائل التواصل الاجتماعي التي لا تخضع لأي منطق علمي أو قيمي وتبني استراتيجيتها على حسن النية لدى الجمهور .
المباديء الأصولية للإدارة في الصحافة باتت مفقودة ، رغم أنها هي الوحيدة التي تكفل حماية الناس من النشر والكتابة والقول غير المسؤول الذي يؤسس لحكم عاطفي يؤدي إلى تجاوز التقديرات الحقيقية الى أخرى مشوهة ، في النهاية نحن بحاجة ماسة إلى العودة إلى الطريقة الأفضل للفهم الجماعي لكوننا أعضاء نقابة عبر نماذج الخدمة العامة لجمع الطاقات المتنوعة والمشتتة وتركيزها للوصول إلى مرحلة تجاوز المعضلات المزمنة التي حولتنا جميعا الى مجتمع متكسب في سوق كبير للكلام .