jo24_banner
jo24_banner

دعوة للعب على المكشوف.. لماذا لا نرفع علم الردّة على صرح أمانة عمّان ؟

دعوة للعب على المكشوف.. لماذا لا نرفع علم الردّة على صرح أمانة عمّان ؟
جو 24 :
يستقبل الأردنيون العام 2020 بمرحلة الردّة، التي تدشّنها السلطة التنفيذيّة بانقلابها الكامل على مسيرة الإصلاح، ومطالب الحراك الشعبي الذي شهده الأردن ذات ربيع، حين خرج الأردنيون إلى الشوارع من أجل غاية واحدة جوهريّة، تتلخّص بالمطالبة بتطبيق المبدأ الدستوري، الذي ينصّ على أن الشعب مصدر السلطات.

بعد تسع سنوات مرّت على هذا الربيع، تمعن السلطة التنفيذيّة في تكريس ثورتها المضادّة، على الإصلاح الديمقراطي، لتقوّض أسس التمثيل الشعبي بتكديس الصلاحيّات في أيدي رجالاتها، وكأن الناس محض أرقام على الهامش، بلا قيمة أو وزن، ولا حتّى حقّ بأن يكون لهم صوت مسموع.

في البداية، كان هنالك ثمّة تجاوب طفيف مع مطالب الربيع الأردني، ولكن الأيّام أثبتت أن ذلك التجاوب لم يكن سوى محاولة للتكيّف مع الأوضاع الجديدة التي فرضتها الهبّات الجماهيريّة، ومناورة لاحتواء الغضبة الشعبيّة، حيث بدأ الناس يفقدون مكتسبات الإنفراج الديمقراطيّ شيء فشيء، حتّى لم يتبقّ من هذه الديمقراطيّة سوى ورقة توت، تحاول عبثا تغطية التعسّف، وستر حقيقة تمركز السلطة والصلاحيّات بين طغمة تفرض نفسها فوق الناس وفوق المبادئ الديمقراطيّة.

أمّا الشعب، فهو بالنسبة لهذه الطغمة ليس إلاّ مجموعة من الرعايا أو العوام الذين لا قيمة لأصواتهم، ولا حقّ لهم في أيّ حضور أو مشاركة في صنع القرار، وكأنّنا نعيش أحداث رواية 1948، حيث تقتصر مهمّة الجماهير على التصفيق لأصحاب السلطة الملهمين، الذين لا صوت يعلو فوق مزاجيّة حكمهم القروسطي المطلق، الذي انقرضت مفاهيمه منذ دهر، وباتت مجرّد مستحثّات لا عضويّة بين عظام موسيليني، ورفات ستالين!

وها نحن ندخل العقد الثالث من هذه الألفيّة مجرّدين من كافّة مظاهر الديمقراطيّة، حتّى تلك الشكليّات الديكوريّة للديمقراطيّة الزائفة تخوض سباق التعرّي، الذي نزع مظاهر التمثيل الديمقراطي عن كلّ مواقع صنع القرار، حتّى أمين عمّان لا يملك الشعب حقّ انتخابه.

قبلنا على مضض أن تجثم الصلاحيّة المطلقة للمتنفذين بتعيين أمين العاصمة فوق صدورنا، وحاولنا هضم التبريرات الواهية، التي تتذرّع بالحاجة إلى تعيين أصحاب الخبرة في مثل هذا الموقع، بعيدا عن كلّ التجاذبات وصراعات القوى.. ولكن هذا لم يكن كافيا لإشباع شهيّة الطغمة المتفرعنة بامتلاك كامل الصلاحيّات المطلقة، وكأنّهم أباطرة الزمن السحيق، الذي منح نيرون صولجان الجبروت، وأباح له حرق روما!

على أعتاب العام الجديد، تتجه حكومة الرزّاز إلى وضع مجلس أمانة عمّان في زاوية تجعله أشبه ما يكون بشاهد زور، بحيث يكون أعضاء المجلس مجرّد مخاتير بعباءات دون صلاحيّات، وذلك عبر تكريس كلّ الصلاحيّات بيد أمين عمان، المعيّن أصلا بتنسيب من رئيس الوزراء.

لا يكفي صنّاع القرار أن منصب أمين العاصمة رهن بالتعيين، وكذلك نسبة من أعضاء مجلس الأمانة، بل يريدون المضي في مقاربتهم شديدة المركزيّة إلى تجريد الجزء المنتخب من أيّة صلاحيّة حقيقيّة، وجعل أمين عمان وكأنّه الحاكم المطلق بأمر رئيس الوزراء، وذلك تحت عنوان "تمكين الأمانة".

المادة الخامسة من قانون الأمانة تجيز لمجلس الوزراء حلّ مجلس الأمانة قبل انتهاء مدّته، كما تمنح الرئيس الحق في تأجيل انتخابات المجلس، وتعطي مجلس الوزراء الحق بإعفاء أي عضو من أعضاء المجلس من مهامّه.

كما تكرّس المادّة 13 من هذا القانون كامل الصلاحيّات بيد أمين عمان، بحيث لا ينازعه أحد على ملكه المطلق، ولكن يمكنه "برضاه" من تفويض صلاحيّاته لمن يريد من موظّفي الأمانة.

طالما أن السلطة التنفيذيّة مصرّة على تنمّرها المباشر على أيّة جهة منتخبة، فما هو مبرّر بقاء أعضاء منتخبين -لا حول ولا قوّة لهم- في مجلس الأمانة؟! لماذا يا أباطرة الزمان لا تريحونا من الشكليّات الزائفة وتقومون بتعيين كامل أعضاء مجلس أمانة عمّان، بل وحتّى مجالس المحافظات، والبلديات أيضا، لم لا؟ فأنتم من قام بشنّ حرب الردّة على الإصلاح، على الأقلّ تحلّوا بالجرأة الكافية لإعلان ذلك صراحة.

الإرادة الشعبيّة لا محلّ لها من الإعراب في عهد الردّة.. المجلس النيابي مجرّد ديكور لتجميل تجبّر السلطة التنفيذيّة.. المجلس القضائي معيّن.. أعضاء الهيئة المستقلّة للانتخابات أيضا معيّنون.. المحكة الدستوريّة وقضاتها كذلك يتم تعيينهم.. ولا ننسى مجلس الأعيان المعيّن.. حتّى أمين عمّان معيّن، والمجلس مجرّد ديكور منزوع الصلاحية والدسم.

كافّة قيادات الصف الأوّل في هذا البلد تهبط علينا بالباراشوت.. فما هو مبرّر بقاء شكليّات كذبة الديمقراطيّة؟! كما يقول الأردنيون: "حارتنا ضيقة"، فانزعوا أقنعة الزيف ولنكمل اللعبة على المكشوف.. لم يعد هنالك أيّ ستر أو غطاء يخفي وجه الحقيقة.. حتّى مبدأ: "الشعب مصدر السلطات" لم يعد هنالك ما يبرّر ثمن الحبر الذي كتب به، فارحمونا من النفقات غير المجدية على الانتخابات التجميليّة، وأعلنوها صراحة أن العام 2020 سيكون عام اكتمال الردّة!
تابعو الأردن 24 على google news