المغامرة التركية في ليبيا والغياب العربي !
بعد عملية "نبع السلام” التدخل التركي في شمال شرق سورية، تنخرط تركيا اليوم في صراع جديد وتمتد أذرعها لمنطقة شرق المتوسط وشمال أفريقيا بإعلانها الاستجابة لطلب حكومة الوفاق الوطني الليبية برئاسة فائز السراج للتدخل العسكري المباشر في الصراع القائم بينه من جهة وبين قوات المشير خليفه حفتر.
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مهد لذلك بالتوقيع على مذكرة تفاهم مع فائز السراج بتاريخ 27/11/2019، تضمنت ترسيم الحدود البحرية والتعاون العسكري والأمني والاستخباري والحفاظ على أمن وسيادة ليبيا والتعاون في مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، الأمر الذي أثار استياء أطراف إقليمية أبرزها اليونان وقبرص ومصر وإيطاليا وروسيا مما استدعى احتجاجا يونانيا رسميا تمثل في التهديد بطرد السفير الليبي لديها إذا لم تطلع على كامل التفاصيل وانتقاد روسي ومصري مشترك فيما رفضت الولايات المتحدة الأميركية التدخلات الخارجية في ليبيا.
القرار بالتدخل العسكري اتخذ سياسيا بانتظار المصادقة عليه من البرلمان التركي بداية العام المقبل وهو أمر بحكم الحاصل نتيجة هيمنة الرئيس التركي وحلفائه على البرلمان وتمهيده لذلك بدواعي حماية الأمن القومي التركي واستجابة لطلب الحكومة التي تعتبرها أنقره الحكومة الشرعية، ويتسارع الحديث عن وصول طلائع عسكرية قوامها المقاتلون من المعارضة السورية الموالية لتركيا وفتح باب التطوع في أوساط اللاجئين السوريين هناك الذين تحولوا أداة طيعة بيد تركيا كما حصل في دفعهم للعمل ضد أكراد سورية .
في العنوان تتحدث تركيا عن مصالحها في مياه شرق المتوسط حيث التنقيب عن حقول الغاز الكبيرة شرق المتوسط، ولكن في التفاصيل نحن أمام محاولة تمدد في الاقليم يتوافق والطموح المتصاعد للرئيس التركي بعد نجاح تدخله العسكري في شمال شرق سورية واستعداده للتدخل العسكري المباشر كطرف موجود على الأرض عسكرياً في ليبيا، وكطرف سياسي في أي تسوية سياسية قد تفضي لنهاية الصراع في مؤتمر براغ القادم، ولعل حديث الرئيس التركي الصريح الذي أثار موجة من السخرية في ليبيا بأنه يتدخل لنجدة مليون مواطن ليبي من أصول عثمانية يستحقون الوقوف بجانبهم يوضح طبيعة وأبعاد التدخل التركي الذي لا يغادر مربع إعادة إحياء الحلم العثماني.
بالرغم من موجة الإدانة الأوروبية وخصوصاً من فرنسا وإيطاليا واليونان للتدخل التركي بعد توقيع المذكرة تبقى فرضية الصدام العسكري مستبعدة نتيجة تداخل المصالح بين القوى الأوروبية نفسها، ولأن اندلاع صراع عسكري بهذا الحجم أمر لا يستطيع أحد ضبط مساراته، بينما تبقى مسألة التورط في الصراع الليبي غير ذات كلفه على الأوروبيين ويمكن تجاوزها ضمن لعبة المصالح والتوازن بين القوى الدولية، ولكن المؤكد أن ليبيا انزلقت لمستويات خطيرة تتشابه مع الأزمة السورية وربما تتجاوزها نتيجة ظروف الانقسام التي تكرست على الأرض.
ما يثير القلق في المشهد الليبي اليوم هو أن مواقف دول الجوار العربي لليبيا وهي مصر وتونس والجزائر لا تستند لمقاربة مشتركة على ما يبدو من ناحية التعاطي مع تداعيات التدخل التركي، فلكل طرف عربي حساباته الخاصة وهو ما يُمكن الطرف التركي من الاستفادة والتوظيف لصالحه والسعي لتوسيع تحالفاته الإقليمية والدولية لخدمة هذا التدخل في حين يبدو أن العرب غائبون عن المشهد.
في مشهد ساخر ولكنه يعكس قتامة وسوداوية الوضع الليبي؛ يتداول الليبيون على مواقع التواصل الاجتماعي تسجيل فيديو للرئيس الليبي الراحل معمر القذافي وصفوه بنبوءة مبكرة ذكر فيه شعبه بأن العثمانيين باعوا ليبيا للإيطاليين مقابل جزيرة في بحر أيجه. ربما كان القذافي حينها يستعيد التاريخ ليكون عبرة ولكن المآلات المأساوية تثبت أن لا أحد يريد أن يقرأ التاريخ.