حرب شرسة سلاحنا فيها الوعي!!
لنعترف جميعا أن العالم اليوم أمام تحد استثنائي ولم يجرب مسبقا آلية ناجعة حتى يتم استنساخها واعتمادها، لذلك تبدو تجربة الصين متفردة في هذا المجال بالرغم من كل الملاحظات التي قيلت عنها كونها تتجاهل في جوانب عديدة حقوق الإنسان، لكن المبررات التي قدمتها منطقية، فهي أمام بقائها مستعدة للتضحية بأشياء كثيرة، وذكرت العالم بالإجراءات التي أقدمت عليها الولايات المتحدة الأميركية بعد أحداث سبتمبر 2001.
صحيح أن فكرة حظر التجوال والعزل والحجز الإجباري كانت موجودة تاريخيا، وأغلبها في حالات الحروب والانقلابات العسكرية والعصيان المدني، ولكن التعامل معها من قبل أي سلطة كان سهلا ولا يحتاج لكل هذه الاحتياطات الطبية الدقيقة التي تسعى لضمان توافر ابتعاد اجتماعي حقيقيوليس شكليا لأننا أمام فيروس خطير وخبيث، ولكن كما وصفه عالم وبائيات هندي بأنه يمتاز بعزة نفس فلا يطرق باب أحد ولكنه يستقبل كل من يذهب له طوعا.
تجربتنا هنا في الأردن حتى اللحظة تمر في مرحلة حرجة ونجاحها أو فشلها -لا قدر الله- يحدده المواطن بالدرجة الأولى، فالدولة بكل مؤسساتها استنفرت كما لم تستنفر أي حكومة في تاريخ الأردن ربما لأن الحكومات في العالم وليس في بلدنا فقط أمام حالة وبائية مختلفة من حيث الشكل والخطورة والكل يسابق الزمن ليخرج سالما أو بأقل الخسائر، وبالتالي حتى فكرة تقديم المساعدات الإنسانية تراجعت لأن الجميع بحاجة للمساعدة ولا وقت للمجاملات، وهو ما لم يحدث في التاريخ السياسي الحديث؛ إذ كانت الدول سابقا تقدم مساعدات في حالات الكوارث والحروب، ولكن اليوم الأمر مختلف كليا، فالكل يسعى لتوفير مخزون كاف من المواد الطبية وأجهزة التنفس لأنه لا يعرف متى يسيطر على هذا الوباء ولا يعرف مدى انتشاره.
الحكومة تدرك أن استجابة الناس والتزامهم بحظر التجوال مرتبطان بتوفير المواد الغذائية والأدوية، وهو ما عملت عليه الثلاثاء الماضي بتجربة قيام أمانة عمان والبلديات وأجهزة الحكم المحلي بتقديم السلع الأساسي؛ الخبز والمياه والأدوية وحليب الأطفال، وتم إعداد خطة استنفرت لها أجهزة الدولة نجحت نسبيا في المحافظات والأطراف ولكنها فشلت في العاصمة عمان، وإذا كان الفشل لا يبرر فإن تزويد مدينة يسكنها ما يقارب الأربعة ملايين ونصف المليون بالخبز في يوم واحد أقرب للمستحيل نتيجة صعوبة التنقل بين الأحياء ولعدم توافر قدرات إمداد لدى المخابز نفسها، وفي الوقت نفسه لا تستطيع الأمانة والبلديات أن تترك مهمتها الأساسية، وهي إدامة خدمات النظافة والتعقيم والرقابة على المسالخ وبقية الخدمات المرتبطة بمكافحة كورونا، لذلك ارتأت الحكومة، وفي يقيني أنها تدرك، أن المرحلة الزمنية قد تطول بأن يكون هناك خيار الذهاب لرفع حظر التجوال على مستوى الأحياء والسماح للمواطنين بالذهاب للتسوق من البقالات الصغيرة من دون استخدام المركبات مع وجود مسافة آمنة، وهو ما يجري في دول عديدة لأن الدولة ومؤسساتها لن تتمكن من إنجاز مهمة تزويد الناس، والأهم أن لديها مهام أخطر، وهي محاربة الفيروس والقضاء عليه حتى لا يستفحل.
القرار الحكومي الأخير مهم وجيد ويسحب الذريعة من كل من يعارض حظر التجوال الكامل، ولكن نجاحه يعتمد على المواطنين بالتحرك للضرورة فقط وترك مساحة أمان مناسبة طبيا والخروج بشكل فردي من العائلة ومحدد بالحصول على المواد الغذائية وليس للترفيه والتزاحم على أبواب البقالات، فنحن في حرب حقيقية لا تحتاج لأسلحة نوعية بل تحتاج لسلاح متوفر لدى كل شخص، وهو الوعي والنظافة المستمرة، ومن يستعمل هذا السلاح ينتصر ويحمي نفسه ووطنه.
هذا وقت الإحساس بالمسؤولية، وترجمت المخزون الوطني لدى كل فرد فينا والجميع على محك التجربة والثبات، ويقيني أننا بالرغم من كل المظاهر السلبية التي يجب أن نستمر بإقناع أنفسنا بأنها فردية سنتجاوز هذه الأزمة وستصبح في رصيد تجاربنا الوطنية الناجحة، فعلينا الإيثار والصبر والتحمل لننجو جميعا ولتزدحم شوارعنا بالناس وهم مبتسمون مطمئنون.الغد