خيارات تركيا الحائرة بين موسكو وواشنطن!!
التطورات العسكرية المتسارعة في الشمال السوري فرضت نفسها على المساعي السياسية، يتقدم الجيش السوري نحو طريق حلب-اللاذقية M4 ويصل منطقة جبل الزاوية الاستراتيجية مما ساهم في سيطرته على ثلاثين بلدة وقرية أبرزها بلدة كفرنبل وهي من أخطر بؤر الاحتجاج منذ اندلاع الأزمة، هذا يحدث بدعم روسي متزايد يرافقه تحميل أنقرة مسؤولية عدم الالتزام بتفاهمات سوتشي دون انقطاع التواصل الروسي التركي منذ التطورات الأخيرة في إدلب بالرغم من أن سيرغي لافروف وصف المطالبين بوقف إطلاق النار بمن يرغب بتقديم هدايا ثمينة للفصائل المصنفة إرهابية.
بنفس الوقت تتراجع فرص انعقاد القمة التي دعت لها المستشارة الألمانية انجيلا ميركل والرئيس الفرنسي أيمانويل ماكرون مع روسيا وتركيا للوصول لتفاهمات جديدة تلافيا للانفجار ومخاطر الصدام المباشر بين موسكو وأنقرة عسكريا، الدعوة التي جاءت بناء على اتصال تركي وتحت عنوان التحذير من مخاطر تفاقم الأزمة الإنسانية وتداعياتها على أوروبا وهو ما يستهوي الرئيس التركي رفعه في وجه الأوروبيين الذين يستشعرون مخاطر اللجوء، لكنها لم تلق حماسا روسيا إذ تصر الأخيرة على أن يكون هناك اجتماع متعدد الأطراف ولكن ليس بالضرورة بوجود المانيا وفرنسا وهي تلمح الى الثلاثي الروسي والتركي والإيراني لضمان تنفيذ ما تم التوافق عليه.
ربما أن رهانات تركيا بمساعدة الناتو في مواجهة موسكو لن تنجح وهي التي انضمت له العام 1952 في مواجهة الاتحاد السوفياتي وقدمت له أكبر جيش وأهم جغرافيا تحول دون التمدد الشيوعي، لأنها ببساطة لا تتوافق مع شروط التدخل التي تفترض تعرض أي من الأعضاء لعدوان مباشر وهو منتف في الحالة السورية، بل إن تركيا تتدخل باحتلال مساحات من أراضي بلد مجاور وتقيم مناطق عازلة خلافا للشرعية الدولية، بالإضافة إلى أن الولايات المتحدة الأميركية تريد من أنقرة ثمنا كبيرا يوازي انعطافاتها والوقوف بشكل جاد ضد روسيا وهو على أقله التراجع عن صفقة بطاريات إس 400 وايقاف خط أنابيب الغاز الروسي وترك موسكو بهدوء مقابل نصب الباتريوت لتشكل غطاء جويا يحول دون هجمات الطيران السوري والروسي، بيد أن المؤشرات توحي بأن الناتو سيترك أردوغان يصارع الدب الروسي وحيدا إلا إذا قرر استنزاف روسيا وسورية وايران، ولكن هذا الخيار يبدو ضئيلا لعدم الوثوق بمواقف أردوغان ولعدم الرغبة بالغرق في الملف السوري.
هناك شبه إجماع بأن الرئيس التركي يواجه اليوم واحدة من أصعب الأزمات منذ تسلمه الرئاسة التركية قبل عشر سنوات وتبدو خيارات الخروج من الوحل السوري أصعب من بعضها، فكلفة الذهاب في صدام ومواجهة مباشرة مع الجيش السوري تعني بالضرورة الصدام مع موسكو بكل ما يحمل من مخاطر على الطرفين، فالأزمة التي سببها إسقاط المقاتلة الروسية سوخوي 24 من قبل تركيا في شهر 11/2015، وخطورة تكرار السيناريو ماثل في العقل السياسي التركي، وبنفس الوقت فإن كلفة القبول بالأمر الواقع تعني فشل الرهانات والأحلام التركية خلال تسع سنوات من الانخراط المباشر في سورية لن يتأخر دفع ثمنها في الداخل التركي.
بقي يومان فقط على انقضاء المهلة التي أطلقها اردوغان لإعادة القوات السورية إلى ما قبل مناطق المراقبة، ووتيرة التهديدات التركية ترتفع، يقابلها إصرار سوري على المضي نحو إدلب مدعوم بالمطلق من موسكو، ويبدو المخرج الوحيد هو تفاهم سياسي يخدم الجميع وأولهم الطرف التركي الحائر بين كلفة خسارة موسكو والثمن الذي تريده واشنطن لدعمه، فهل هناك فرصة أخيرة للنزول من على الشجرة متاحه لأنقرة لتستغلها؟ هذا ما ستجيب عليه الأيام القادمة.