إدلب جبهة مفتوحة على كل الاحتمالات!!
تتسارع الأحداث الميدانية في جبهة إدلب بعد استعادة القوات السورية الحكومية بلدتين هما خان شيخون ومعرة النعمان ومحاصرة مدينة سراقب المهمة استراتيجيا للوصول لإدلب فهي بوابتها الشرقية وعقدة المواصلات الرئيسة بين دمشق وحلب من جهة وبين حلب واللاذقية من جهة أخرى. عسكرياً تفوق السيطرة على إدلب أهمية السيطرة على معرة النعمان لأن ذلك يعني السيطرة على ريف حلب الجنوبي والغربي والوصول لمطار "تفتناز” خاصة إذا ما ترافق بالسيطرة على مدينة جسر الشغور وعين العرب، وهي المناطق التي يتواجد فيها العدد الأكبر من مقاتلي هيئة تحرير الشام "جبهة النصرة” لأن ذلك يسهل الوصول للمدينة التي تعتبر المحطة الأخيرة في الصراع العسكري بين الحكومة السورية وفصائل المعارضة المدعومة تركيًا.
هذا التطور الميداني الذي ترجم بالاشتباك العسكري المباشر بين الجيش السوري والقوات التركية وأدى لسقوط ثمانية قتلى أتراك خلق واقعا ميدانيا وسياسيا جديدا ونقل المواجهة لتصبح بين دمشق وأنقرة مباشرة وليس بين موسكو وأنقرة ودون أن تبقى حربا بالوكالة من خلال مجاميع المعارضة السورية التي تدين بالولاء المطلق لتركيا التي تدرك أنه من الناحية العسكرية لن يتمكن هؤلاء من الصمود أمام عملية عسكرية كبرى استدعت دمشق لها منذ أشهر طويلة واستخدمت أسلوب القضم التدريجي في ظل عدم وجود أي مشاغلة عسكرية في جبهات أخرى تحول دون التقدم بوتيرة أسرع وتمكنها من استعادة زمام المبادرة العسكرية التي تبدو لصالحها.
تركيا تقرأ التطورات السياسية الإقليمية والعربية التي تعطي دمشق مبررات على المضي قدماً في العمل العسكري نتيجة حالة الارتياح من الناحية العسكرية ونتيجة التحولات والرسائل الإيجابية التي ترسلها أطراف عربية وازنة نحو دمشق الرسمية كمصر والسعودية والامارات وجميعها تشتبك سياسياً مع تركيا في ملفات عديدة أبرزها الملف الليبي إضافة للتقارب الواضح بينها بين الأكراد خصوم أنقره التاريخيين.
قراءة هذه التطورات تستدعي التوقف عند عودة الرئيس التركي أردوغان للحديث قبل أسابيع عن أن اتفاقية أضنة الموقعة مع سورية العام 1998 ما تزال قائمة وهو ما كان يتجاهله خلال سنوات الأزمة السورية وتوغل في الأراضي السورية تحت شعار محاربة قوى إرهابية تستهدف الأمن القومي التركي دون التنسيق مع الطرف السوري في الاتفاقية واعتبار هذا التحول محاولة لخلق تفاهم حول مصير إدلب مع الحكومة السورية قبل السيطرة الكاملة عليها وهذا تراجع للأوراق التركية في أي مفاوضات قادمة حتى لو ارتفعت نبرة التهديد التركي نحو دمشق لكنها تمتاز بالتهدئة نحو موسكو وتركز على أن أي تعاطٍ تركي جديد يستهدف دمشق الرسمية وتدعو روسيا للجلوس بهدوء حتى لا يخرج الطرفان خاسرين في محاولة على ما يبدو لتحييدها.
تركيا ترسل تعزيزات عسكرية كبيرة تجاوزت 240 آلية عسكرية وقد زودت هيئة تحرير الشام بأسلحة نوعية وتسعى لسد كل المنافذ للحيلولة دون سيطرة الجيش السوري على مدينة سراقب ومنعه من السيطرة على الطريقين الدوليين وبنفس الوقت تسعى جاهدة لإقناع موسكو بوقف التقدم السوري وإعادة احياء تفاهمات أستانا وسوتشي.
ليس سهلاً على اردوغان الخسارة والخروج من إدلب دون ضمانات أو تفاهمات مع دمشق تضمن كما يردد "المصالح القومية لتركيا”، فذلك يعني كلفة كبيرة على مستقبله السياسي والشخصي يتردد صداها في أنقره وربما يكون المخرج الوحيد هو اتفاق "أضنة” الذي يعني حوارا مباشرا مع دمشق أو الذهاب لمعركة كبرى قد تخلط كل الأوراق بما فيها العلاقات مع الشريك الروسي المهم جدا لتركيا وتفتح مجالا لكل الاحتمالات.