خطاب الحرب الدينية الهدام
لميس أندوني
جو 24 : العالم العربي يشهد انحداراً في النقاش السياسي، مثيرا للقلق حتى الاشمئزاز: إذ إن كل الصراعات، والخلافات والاختلافات تتم في خطاب إقصائي طائفي أو عنصري، وكلها تصب في تمزيق وتفتيت المنطقة.
المفارقة أن أغلبية السياسيين والمتابعين، وأخطر المثقفين، يحذرون من سايكس بيكو جديدة، لكنهم يستعملون ويعممون المصطلحات الإقصائية، سواء باسم الصراع بين العلمانية والتيارات الدينية، أي يساهمون بوعي أو غير وعي في عملية التمزيق نفسها التي يقومون بمهاجمتها واتهام الطرف الآخر بتعميقها.
لا أعفي الخطاب العلماني، في بعض تعبيراته المبتورة من المسؤولية، لكن الدافع الأقوى في المنطقة هو تحويل كل الصراعات الداخلية إلى حروب طائفية دينية.
بغض النظر عن تباينات المواقف من الأزمة السورية، فإن الانغماس في الخطاب الطائفي يقود العالم العربي إلى ما يخشاه الجميع: ليس فقط حروبا طائفية في كل بلد على حدة بل إنشاء كانتونات طائفية وإثنية بل واختفاء مفهوم الوطن العربي، فيما تنشغل الأطراف بإيجاد مقولات وفتاوى لإثبات وجهة نظرها واستعدائها "للآخر".
الحوار شبه مفقود، فكل طرف يتسلح بفكرة أن "البادئ أظلم"، وكأنه لا يمكن الرد على الطائفية إلا بطائفية مقابلة، تتنافس في تقويض إنسانية الآخر وقتله وذبحه.
نعم هناك وقائع، وهناك حق وباطل، لكن يجب أن يكون معيارنا مستندا إلى فهم الصراع السياسي، ومعاداة الظلم من أي طرف كان: لا يهمنا طائفته ودينه، إذ إن الإنسان، كما علمنا التاريخ، مستعد لاستعمال الدين ومعتقدات طائفته في تبرير القمع والمذابح والحروب.
التدخلات في سورية، وزج المفاهيم الطائفية في الخطابات السياسية، ولا أستثني أي طرف، مهما يكن موقفي السياسي منه، أحدث انقسامات عمودية في كل المجتمعات العربية، فبدأ النقاش السياسي في الاضمحلال لصالح التناحر الطائفي.
الكل يتخندق في موقعه، ويستحضر من التاريخ أمثلة واجتهادات تبرهن على صحة تكفير الآخر، وجعله في هذه الحالة عدوا للإسلام ،وحتى للذات الإلهية، تبريرا لاستباحة الدماء والحياة.
أعترف أنني كل يوم أفاجأ بل وأصدم، بأصدقاء ومعارف، وكتّاب لا أعرفهم شخصياً، يصرون على الاتكاء، بل على الارتماء تماماً، في أحضان الخطاب الطائفي، إلى درجة تشطب إمكانية الجدل والحوار السياسي تماما، وكأن الحسم هو في ساحة المعركة.
أحس أن هناك آلة زمنية رمت العرب إلى زمن سابق، ولكن ليس إلى عصر نهضة الفكر والعلوم بل أسوأ لحظات تاريخ العرب والمسلمين من احتراب داخلي وتفكير قبلي عصبوي لا يرى الآخر، فكيف يحترمه.
ما يحصل ليس خاصية عربي، فالصراع على النفوذ والهيمنة، دائما يتم تغليفه بالدين ؛ فالحروب الدينية المسيحية أعاثت الدمار في أوروبا في وقت ما، بينما تم استعمال الصليب لإعطاء شرعية دينية للحروب، التي سميت قصدا من مخططيها "صليبية"، وما تبعها من حمامات دم وصلت إلى الركب ضد العرب، مسيحيين ومسلمين.
حين تسيطر العقلية الطائفية، لا يهم إذا كانت القضية عادلة أم ليست عادلة، لأن التفكير الطائفي المتعصب يخلط الحقائق ويطمسها، بل وقد يهزم أية قضية عادلة ، فيصبح مؤيدوها الطائفيون أخطر من أعدائها.
كم نحن بحاجة إلى أصوات سياسية ومرجعيات دينية توقف هذا التدهور بدلا من إشعال الفتنة الطائفية، فما من نفع للفكر والمعرفة إذا تم تقزيمهما إلى خطابات تحريضية طائفية؟
نعي أن ما يحصل هو توظيف للمقولات الدينية في خدمة القوة والنفوذ، لكنها مقولات تؤثر في النفوس والعقول وتعمي الأبصار والبصائر.
نتحدث عن مؤامرات تقسيم المنطقة، لكننا إن رضينا أن نكون جزءا منها،فهنيئا لإسرائيل، في تحقيق أحلامها. فهي ستجد نفسها في بحر من الكانتونات الطائفية، أو الحروب الطائفية، و تجد شرعيتها المفقودة في كونها جسما استعماريا غرس في الوطن العربي، لأنه لن يكون وقتها لا وطن عربي ولا ما يحزنون. (العرب اليوم)
l.andony@alarabalyawm.net
المفارقة أن أغلبية السياسيين والمتابعين، وأخطر المثقفين، يحذرون من سايكس بيكو جديدة، لكنهم يستعملون ويعممون المصطلحات الإقصائية، سواء باسم الصراع بين العلمانية والتيارات الدينية، أي يساهمون بوعي أو غير وعي في عملية التمزيق نفسها التي يقومون بمهاجمتها واتهام الطرف الآخر بتعميقها.
لا أعفي الخطاب العلماني، في بعض تعبيراته المبتورة من المسؤولية، لكن الدافع الأقوى في المنطقة هو تحويل كل الصراعات الداخلية إلى حروب طائفية دينية.
بغض النظر عن تباينات المواقف من الأزمة السورية، فإن الانغماس في الخطاب الطائفي يقود العالم العربي إلى ما يخشاه الجميع: ليس فقط حروبا طائفية في كل بلد على حدة بل إنشاء كانتونات طائفية وإثنية بل واختفاء مفهوم الوطن العربي، فيما تنشغل الأطراف بإيجاد مقولات وفتاوى لإثبات وجهة نظرها واستعدائها "للآخر".
الحوار شبه مفقود، فكل طرف يتسلح بفكرة أن "البادئ أظلم"، وكأنه لا يمكن الرد على الطائفية إلا بطائفية مقابلة، تتنافس في تقويض إنسانية الآخر وقتله وذبحه.
نعم هناك وقائع، وهناك حق وباطل، لكن يجب أن يكون معيارنا مستندا إلى فهم الصراع السياسي، ومعاداة الظلم من أي طرف كان: لا يهمنا طائفته ودينه، إذ إن الإنسان، كما علمنا التاريخ، مستعد لاستعمال الدين ومعتقدات طائفته في تبرير القمع والمذابح والحروب.
التدخلات في سورية، وزج المفاهيم الطائفية في الخطابات السياسية، ولا أستثني أي طرف، مهما يكن موقفي السياسي منه، أحدث انقسامات عمودية في كل المجتمعات العربية، فبدأ النقاش السياسي في الاضمحلال لصالح التناحر الطائفي.
الكل يتخندق في موقعه، ويستحضر من التاريخ أمثلة واجتهادات تبرهن على صحة تكفير الآخر، وجعله في هذه الحالة عدوا للإسلام ،وحتى للذات الإلهية، تبريرا لاستباحة الدماء والحياة.
أعترف أنني كل يوم أفاجأ بل وأصدم، بأصدقاء ومعارف، وكتّاب لا أعرفهم شخصياً، يصرون على الاتكاء، بل على الارتماء تماماً، في أحضان الخطاب الطائفي، إلى درجة تشطب إمكانية الجدل والحوار السياسي تماما، وكأن الحسم هو في ساحة المعركة.
أحس أن هناك آلة زمنية رمت العرب إلى زمن سابق، ولكن ليس إلى عصر نهضة الفكر والعلوم بل أسوأ لحظات تاريخ العرب والمسلمين من احتراب داخلي وتفكير قبلي عصبوي لا يرى الآخر، فكيف يحترمه.
ما يحصل ليس خاصية عربي، فالصراع على النفوذ والهيمنة، دائما يتم تغليفه بالدين ؛ فالحروب الدينية المسيحية أعاثت الدمار في أوروبا في وقت ما، بينما تم استعمال الصليب لإعطاء شرعية دينية للحروب، التي سميت قصدا من مخططيها "صليبية"، وما تبعها من حمامات دم وصلت إلى الركب ضد العرب، مسيحيين ومسلمين.
حين تسيطر العقلية الطائفية، لا يهم إذا كانت القضية عادلة أم ليست عادلة، لأن التفكير الطائفي المتعصب يخلط الحقائق ويطمسها، بل وقد يهزم أية قضية عادلة ، فيصبح مؤيدوها الطائفيون أخطر من أعدائها.
كم نحن بحاجة إلى أصوات سياسية ومرجعيات دينية توقف هذا التدهور بدلا من إشعال الفتنة الطائفية، فما من نفع للفكر والمعرفة إذا تم تقزيمهما إلى خطابات تحريضية طائفية؟
نعي أن ما يحصل هو توظيف للمقولات الدينية في خدمة القوة والنفوذ، لكنها مقولات تؤثر في النفوس والعقول وتعمي الأبصار والبصائر.
نتحدث عن مؤامرات تقسيم المنطقة، لكننا إن رضينا أن نكون جزءا منها،فهنيئا لإسرائيل، في تحقيق أحلامها. فهي ستجد نفسها في بحر من الكانتونات الطائفية، أو الحروب الطائفية، و تجد شرعيتها المفقودة في كونها جسما استعماريا غرس في الوطن العربي، لأنه لن يكون وقتها لا وطن عربي ولا ما يحزنون. (العرب اليوم)
l.andony@alarabalyawm.net