العلاقات العربية –الصينية..المعيقات وأسباب التباعد
الصين والمنطقة العربية ،على وجه الخصوص،تربطهما أواصر قربى ترقى إلى الحكمة،وقد عمد طريق الحرير هذه العلاقة ،ودمغها بالختم الذي يتوجب أن تكون عليه العلاقات السليمة.
الحكمة والبحث عن المصالح ونسج علاقات سليمة وسلمية ،هو ديدن الصين والعرب معا ،كما أن الصين ولحكمتها الكونفوشيوسية ليست قوة إستعمارية كما هو الغرب ،وكذلك العرب والمسلمين ،بمعنى أن العرب والصين يلتقون في بداية الخط المستقيم بوجوب إقامة علاقات تقوم على مبدأ :لا ضرر ولا ضرار.
السؤال الذي يطرح نفسه :ما دام الأمر كذلك ،فلماذا لا نرى تحالفا عربيا صينيا ؟ولا أريد القول أن العرب عليهم إغلاق النوافذ والأبواب أمام الآخر وعدم الإقتراب منه أو السماح له بالإقتراب منهم.
ما أرغب برؤيته ،هو أن يضع العرب تصوراتهم المستنبطة من مبادئهم وتصوراتهم لمجتمع دولي قائم على العدل والمساواة ،ويعلنونها على الملأ ،وبدون خشية من أحد ،وعندها سيتبين لهم الخيط الأسود من الأبيض ،ويحدث إصطفاف ولا أروع ،وتكون الحالة أدعى للدرس والتمحيص.ويظهر العرب أنهم ليسوا حكرا على من يوجه لهم الطعنات تلو الطعنات كما هو حاصل حاليا.
بالنسبة للصين فمنذ إنطلاق الثورة الفلسطينية منتصف الستينيات من القرن الماضي،قدمت دعما مفتوحا للفلسطينيين تحت شرط واحد:أن واصلوا مقارعتكم للصهيونية والإمبريالية.
لكن واقع الحال العربي الذي يتسم بالتراجع المستمر وعدم الحفاظ على المصالح العربية ،أدى بالصين إلى التراجع عن مواقفها تجاه القضايا العربية وتحديدا القضية الفلسطينية ووصل الأمر بها إلى إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل بعد مشاورة " الفلسطينيين " طبعا ،خاصة بعد إنسلاخ مصر الساداتية وتوقيعها معاهدة كامب ديفيد مع إسرائيل يوم 17 أيلول 1978وتبعتها م.ت.ف في أيلول 1993 ثم الأردن في تشرين أول 1994،ناهيك عن حصيلة الصين الإستخبارية عن الإنفراط الحاصل في العقد العربي تجاه إسرائيل ونوع العلاقات المنسوجة بين الطرفين.
لاحظت الصين مؤخرا ،أن العرب قد تفرغوا لعدائهم مع إيران وأنهم باتوا يحجون إلى بكين حاملين حقائب الأموال والضغوط عليها ،كي تصطف معهم في الضغط على طهران ،وان تنضم للجوقة الدولية التي تقودها أمريكا ضد إيران التي دخلت النادي النووي وإن لم يتم تتويجها رسميا.
قبل نحو ثلاث سنوات عقد المنتدى العربي –الصيني دورته في شنغهاي وتسربت أنباء عن خلاف عربي- صيني تمثل برفض الوفد الصيني التوقيع على وثيقة تقول أن القدس عربية وهي عاصمة للدولة الفلسطينية المستقلة.
بعد أيام من إنتهاء المؤتمر إلتقيت دبلوماسيا صينيا خدم كثيرا في المنطقة العربية وسألته بإمتعاض عن سبب هذا الرفض ،لكنه وبكل الثقة المعهودة قال أن العرب ومنذ سنوات لم يتحدثوا معنا بشان القدس والقضية الفلسطينية ،وإنما كانوا يأتون إلى بكين حاملين حقائب الأموال للضغط علينا من أجل الإنحياز ضد طهران .
لو كان العرب جادين في التوازن الدولي وفي مجال العلاقات الدولية ،حفاظا على مصالحهم ،لتعاملوا ليس مع الصين فقط ،بل مع كافة القوى الدولية مثل أوروبا وأمريكا اللاتينية وافريقيا وغيرها من التجمعات الدولية ،بما يعود بالنفع على القضايا العربية بشكل عام ،ولأجبروا حتى أمريكا ومن لف لفيفها على إعادة التفكير بمواقفها وتعديلها ما أمكن حسب تضرر مصالحها وحفاظا عليها.
ذات زيارة لبكين كنت مدعوا على مائدة نائب وزير الخارجية لتناول طعام الغداء،وتحدثنا مطولا عن آفاق العلاقات العربية –الصينية ،وعاتبته على سماح بكين ليهود بإيجاد موطيء قدم في الصين.
أجابني مضيفي بالقول أن الصين أعلنت انها بحاجة للإستثمارات الأجنبية ،وأسمعت صوتها للعرب والمسلمين لكن أحدا لم يأت بصرته ويستثمر في الصين .
جواب منطقي بإمتياز ،فالعرب منهمكون بكل ما يمتلكون، في دعم الغرب التي تقوده أمريكا وإنعاش إقتصادهم على حساب قضايانا ومصالحنا، بدليل أنهم خسروا أربعة تريليونات دولار في الأزمة العالمية الأخيرة ،ولست بكاشف سرا إن قلت أن ما قتل القذافي بعد الإطاحة به هو مطالبته بالأموال الليبية المرهونة أو المسروقة في بنوك الغرب.
هناك قصة اخرى تشوب وضعنا دوليا وهي أننا 22 صوتا وتصورا ونمط حياة سياسية وسياسة خارجية، بينما العالم أمامنا كتل محددة المعالم ،وهذا دليل على ضعفنا وفشلنا في صياغة علاقات سليمة مع الاخر.
الصين لديها إهتمام متزايد في المنطقة ،والمطلوب وضع إستراتيجية عربية تتجاوز واقع التقسيم العربي ،خاصة وأن الصين عملاق مقبل ،وهي البديل لأمريكا في قيادة العالم.
المطلوب إقامة شراكات عربية –صينية ،والبدء بحوار حضارات بين العرب والصين ،يكون طريق الحرير هو أحد أبرز معالمها،وليس إبحارا ضد التيار أن ندعو إلى إعادة سلوك هذا الطريق وتدشينه رسميا من جديد.