jo24_banner
jo24_banner

يسر في لحظة العسر

د.عبدالله الزعبي
جو 24 :
 دقيق جداً ذاك الخط الفاصل بين نسمات الضحك وأنين البكاء، فعندما تزل قدم على قشرة موز في الشارع تعلو القهقهة وتزهر، لكنها سرعان ما تتحول إلى ألم وحسرة حين تكسر يد وتسيل الدماء. إن الرحمة والشجاعة أعظم كنوز الإنسان وأسمى صفاته، بها تثمر جواهر القلب فلا يقدر عليها وباء. وكما قال ستيفن هوكينج، فالحياة على الأرض معرضة دوماً لخطر الكوارث، حرب نووية عالمية مفاجئة أو فيروس معدل وراثياً أو مخاطر أخرى لم نفكر فيها بعد، لكن فرصتها الحقيقية عادةً ما تأتي وهي ترتدي قناع البلوى والمأساة.
يمثل الخوف أعمق عاطفة بشرية وأقواها، وأسوأها الخوف من المجهول، لكن الذي يعيش بحكمة لا يخشى حتى الموت، والنبل الأصيل لا يعرف الوجل والجزع. هلا قلبنا صفحات السادة والتاريخ، والصديق حين قال أن الموت أهون مما بعده وأشد مما قبله، وعمر عندما تصدى للرمادة فاستظل الشجرة ونام. قد جفتنا الدنيا فهلا اعتصمنا من جفاءِ الدنيا بحبل وداد، بشق التمرة وصدقة البسمة، بإحسان الظن وإخوة ضمرت في رماد الركية. هلا أمسكنا اللسان في عسرة الشدة ووسعنا الدفء والبيت وحسن الإيمان.
لعل جائحة الكورونا حدث عابر يطويه الدهر في بضع أسابيع، يغسل معه أدران الخوف والجبن، لعله يخرج أفضل ما في الوجدان من ذاك الود وعرى الرحمة، والجسد الواحد الذي يسهر على تلك الحمى. عسى كورونا يستدعي نبضات الإيمان والرشفة الأولى من إناء الضحى والليل، والشرح حين وضع الوزر عن الصدر فشرحه، ومن بساتين التين والزيتون في هذا البلد الأمين، عله يلسع غفلة القلوب عن آيات عبس حين فيها تولى، عن الأعمى إذ أتى يَذَّكَّرُ ويَزَّكَّى. علَ كورونا يلفح سهوة الألباب بنهرة السائل وقهر اليتيم، بنعمة ربٍ بها نحدث، عساه يغدق على الروح لحظة ذكرى وتأمل في يسر ومعه يسر ثانيةً إذ يأتي دوماً مع العسر وكورونا.
اليوم يسير صوب العمر زمن جديد، يعصف بالصمت والسكون، تدفعه الأيام على جناح العبر، زمن طوى سجل مضى فاندثرت معه حكايا العتاب. اليوم يقبل من رحم الألم أمل، يحمل على عاتقيه رجاء وتوبة، ينساب مع الليل ولحن المطر. فهلم ندحر جيوش الخوف ونهزم همزات اللسان، هلم نقرأ آيات من الإنجيل والقرآن، نتصفح أبيات الشعر على ضوء القمر، ثم نزرع في قلوب الأطفال حب الأهل والوطن.
 
 
تابعو الأردن 24 على google news