"تلك إذاً قسمة ضيزى"!!
كمال ميرزا
جو 24 :
الـ (50%) بالنسبة لعامل راتبه (600) دينار ليست (300) دينار.. هذه الـ (50%) هي نصف ما يملك!!
هي يا عزيزي الملياردير والمليونير (ويا عزيزي المسؤول الذي تتقيّأ قراراتك) ليست مثل مليار ناقص (300) دينار أو مليون ناقص (300) دينار.. هي بالنسبة للعامل كأن يؤخذ منك نصف مليار دينار أو نصف مليون دينار مرّة واحدة!!
بل هي أكثر من ذلك بكثير!!
حتى لو أُخذ منك نصف مليار أو نصف مليون، يبقى النصف الآخر أكثر من كافٍ لكي تمارس كامل رفاهياتك ونمط حياتك من دون انتقاص!!
ما هي الأكلة التي يُطعمك إيّاها المليار ولا يُطعمك إيّاها نصف مليار؟!
ما هي اللبسة التي يُلبسك إيّاها المليون ولا يُلبسك إيّاها نصف مليون؟!
أمّا بالنسبة لعامل لا تكفيه الـ (600) دينار أصلا أساسيات عيشه، فإن الـ (300) دينار (التي لا تغبّر على صرمايتك أو صرماية زوجتك أو ابنك أو عشيقتك عزيزي الملياردير أو المليونير) تضع هذا العامل في موقف مَن يختار بين عينه وعينه؟! أيّ أكل الهوا أخف؟! وأيّ أكل الخـ.... أهون؟!
وحتى من منظور "اقتصادي" بحت يا كذّابين يا منافقين يا بتوع حماية المشاريع المتوسطة والصغيرة، تخفيض القدرة الشرائية للعامل الصغير إلى النصف، يعني انخفاض أعمال المشاريع الصغيرة التي يتعامل معها هذا العامل إلى ما دون النصف (مطعم، بقالة، خضرجي، محل خلويات، صاحب البيت المؤجِّر.. الخ)، وبالتالي عدم قدرة هذه المشاريع على الاستمرار والمنافسة، ناهيك عن دفع وإدامة أجور العاملين فيها (والذين هم غالبا عمالة غير رسمية فقيرة محدودة الأجر)..
وتعثّر هذه المشاريع الصغيرة يعني أيضا تعثّر المشاريع المتوسطة التي تعتمد عليها هذه المشاريع الصغيرة في شبكة تزويدها وتوريدها..
وهكذا دواليك..
وبذلك تكون النتيجة "التنموية" لأمر الدفاع (6) إطلاق متوالية إفقار وإفلاس وبطالة تبدأ من قاع الهرم إلى قمته، أو بالأحرى إلى ما قبل القمة بقليل، والنتائج "الاقتصادية" الوحيدة المأمولة من هكذا قرارات جهنمية:
- تجفيف أي سيولة أو مدخرات أو موارد أو رساميل ما تزال متاحة لدى أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة (وبالمثل عامّة الناس)!!
- إجبار أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة على الاستدانة (إذا لم يكونوا مدينين أساسا)، وبالتالي "استدماجهم" ضمن المنظومة المالية المصرفية التي تمسكهم من خنّاقهم (مثل غالبية الشعب) بعد أن كانوا يتمتعون بهامش واسع من الاستقلالية الاقتصادية التي تعني أيضا هامشا من الاستقلالية السياسية والاجتماعية والثقافية (وليس مستغربا هنا أنّ هذا القرار قد جاء بموازاة التسهيلات التي أصبحت البنوك وحتى الضمان الاجتماعي يمنحونها لأرباب الأعمال على حين غرّة من أجل دفع أجور عمالهم.. ومحملينك جميلة كمان)!!
- إيصال المشاريع الصغيرة والمتوسطة حد الإفلاس بحيث تُخلي موقعها وحصتها في السوق لصالح الاستثمارات والمشاريع الكبرى (حسب طبيعة القطاع الذي نتحدث عنه).. أو إعسار المشاريع الصغيرة والمتوسطة بحيث يصبح خيارها الوحيد للاستمرار هو أن تنضوي تحت مظلة شركات واستثمارات وأسماء كبرى (مثلما حدث في حالة محطات الوقود مثلا)!!
في الخلاصة، هناك مَن يتحجج بأن الكورونا ظرف استثنائي ومفاجئ وغير مسبوق، وهذا عذر أقبح من ذنب عندما نتحدث عن التخطيط والإدارة على مستوى الدول ولكن هذا سياق آخر للحديث..
المهم، بكورونا أو غير كورونا، النهج الاقتصادي ما يزال هو هو، نهج إفقار ممنهج، يرتبط محليا بوجود طبقة طفيلية منفّذة لأجندات وإملاءات خارجية تمتص دماء الناس في تزاوج رخيص بين رأس المال والسلطة..
وترتبط إقليميا بتسويات وترتيبات سياسية وأيدولوجية تُفرض وتُسوّق من بوابة "الاقتصادي"..
وترتبط دوليا بسيرورات ومقتضيات النظام الرأسمالي (الصهيوني) العالمي في مرحلته الانتقالية بين طورين!!