الاستجابة الحكومية الاقتصادية لأزمة “كورونا”
بعد إطلاق البنك المركزي استجابته لتداعيات أزمة وباء "كورونا المستجد”،
والتي يتوقع أن تكون مفاعيلها على المدى المتوسط والبعيد، وتستفيد منها
منشآت الأعمال المتوسطة والكبيرة، اتجهت الأنظار نحو مضامين أمر الدفاع
الذي سيعالج المشكلة الآنية المتمثلة بالتحديات التي يواجهها القطاع الخاص
وأجر العاملين فيه.
يبدو أن الحكومة اختارت الطريق الذي يجنبها أي
التزامات مالية تجاه منشآت الأعمال الخاصة المتضررة من التداعيات التي
خلفها توقف الأنشطة الاقتصادية في غالبية القطاعات الاقتصادية والعاملين
فيها، إلى جانب العاملين بشكل غير منظم. وارتأت تحميل تبعات هذه الأزمة على
العاملين والمؤسسات التي يعملون فيها لوحدهم.
هذه الاستجابة جاءت على
خلاف معالجات عدد كبير من دول العالم، حيث خصصت موارد حكومية من مصادر
مختلفة لدعم منشآت الأعمال، وكل دولة حسب قدراتها وامكانياتها الاقتصادية
والمالية. المضامين الأساسية لأمر الدفاع، وخاصة المتعلقة بالسماح لإدارات
منشآت الأعمال الخاصة، والعاملة بكامل طاقاتها الإنتاجية ومنها البشرية –
سواء في مواقع العمل أو عن بعد – بالسماح لهم بتخفيض أجور العاملين فيها
لحد 30 % غريب حقا، ولا مبرر منطقي يمكن أن يقنع أحدا، سوى المستفيدين منه.
أما
اشتراط تنفيذ ذلك بموافقة العامل وبإرادته الحرة، فعلى أرض الواقع لا
إرادة فوق إرادة الإدارات وأصحاب الأعمال، والعاملين والعاملات الذين
سيعترضون على ذلك، سيجدون أنفسهم في صفوف المعطلين عن العمل.
كذلك الأمر
بالنسبة لقرار احتساب أجور العاملين عن بعد، ولم تتمكن إدارات المؤسسات
التي يعملون فيها من توفير الإمكانات التقنية وغيرها من المتطلبات،
لتمكينهم من العمل عدد الساعات المطلوبة منهم كاملة، ففي ذلك انتقاص كبير
لحقوق هؤلاء العاملين. وكذلك الأمر بشأن تحميل منشآت الأعمال – وغالبيتها
الساحقة متوسطة وصغيرة ومتناهية الصغر- غير القادرة على تشغيل العاملين
لديها 50 %من أجورهم، وخسارة العاملين فيها نصف أجورهم، لا لسبب، الا لأن
هنالك إجراءات طارئة ليس للمؤسسات والعاملين فيها أي ذنب، فكيف ستؤمن هذه
المؤسسات نصف أجور العاملين فيها وهي متوقفة عن العمل، وكيف سيعيش العاملين
وأسرهم بنصف أجورهم المعتادة.
أما فيما يتعلق بمنشآت الأعمال غير
القادرة على دفع أجور العاملين فيها بأي خيار آخر متاح، سيتم وضع إشارة منع
التصرف على الأموال المنقولة وغير المنقولة العائدة للمنشاة خلال فترة
الايقاف، ولن تستفيد من أي برامج للحماية الاقتصادية للقطاع الخاص من تاريخ
الإيقاف، الأمر الذي سيعمق أزمتها أكثر.
وخلاصة الأمر هنا أن المؤسسات
هذه ستغلق أبوابها، والعاملون فيها سينضمون إلى مئات آلاف المتعطلين عن
العمل، أما فيما يتعلق بقصة عدم انقطاع العلاقة التعاقدية بين صاحب العمل
والعامل خلال فترة الإيقاف، فهي لن تخدم الطرفين، فلا العاملين سيحصلون على
أجورهم، ولا المنشأة ستباشر أعمالها.
لا يمكن التسليم بفرضية أن الدولة
ليس لديها إمكانيات لرصد مخصصات لبرامج دعم ومساعدة منشآت الأعمال
المتضررة وخاصة المتوسطة والصغيرة والمتناهية الصغر، لمساعدتها على البقاء
والمحافظة على العاملين فيها، لأن امام الحكومة خيارات لتوفير مخصصات لذلك،
مثل عدم تسديد الدين الخارجي وفوائده، والعديد من الدول أعلنت نيتها
القيام بذلك، وغالبية الدائنين مستعدون لقبول هذا السيناريو، كذلك كان
بإمكان الحكومة استخدام مخصصات الانفاق الرأسمالي غير الطارئ وغير الضروري.
إضافة
الى أن العديد من المؤسسات المالية الدولية مثل البنك الدولي، وصندوق
النقد الدولي، والبنك الأوروبي لإعادة الانشاء والتعمير وغيرها، أعلنت عن
برامج دعم بمئات مليارات الدولارات لمساعدة الحكومات لمواجهة التداعيات
الاقتصادية لهذا الوباء، ويمكن للحكومة الاستفادة من هذه البرامج لإنقاذ
منشآت القطاع الخاص المتضررة والعاملين فيها.
بقي أن نقول إن تداعيات
تطبيق هذه الإجراءات ستكون صعبة جدا، حيث تعميق الاختلالات الاجتماعية غير
المتوقعة واتساع رقعة الفقر ومئات آلاف المتعطلين الجدد عن العمل، والاضرار
بشكل كبير بالسلم المجتمعي.الغد