ماذا بعد تثبيت الأجور وارتفاع الأسعار؟
لا يخفى على أحد أن المستوى المعيشي لغالبية العاملين بأجر في الأردن تزداد صعوبة يوما بعد يوم، جراء الارتفاعات المتتالية على أسعار السلع والخدمات الأساسية وثبات أجورهم على حالها.
وما زاد الطين بلة، إعلان العديد من ممثلي الحكومة أخيرا نيتها إجراء عدة زيادات على أسعار المشتقات النفطية قبل نهاية العام، حتى لو لم ترتفع أسعار النفط في الأسواق العالمية، والإعلان عن عدم وجود خطط حكومية لزيادة الأجور.
نتفهم أن تعطي الحكومة أولوية لتوفير موارد مالية منتظمة لرفد الموازنة العامة للدولة بما يكفي لتغطية التزاماتها الداخلية والجهات الدائنة، إلا أنه يصعب تفهم تخليها عن دورها الاجتماعي في تعزيز استقرار المجتمع، من خلال الحفاظ على مستويات معيشية لائقة لمواطنيها.
صحيح أن موجة التضخم الحالية تضرب مختلف دول العالم، ولكن الصحيح أيضا أن الحكومات في كثير من الدول تقوم بتمكين مواطنيها لمواجهة موجات الغلاء المتلاحقة من خلال زيادة الأجور في القطاع العام، ورفع الحدود الدنيا للأجور للعاملين في القطاع الخاص.
وغالبية الدول التي لم تستجب لحاجات مجتمعاتها وتمكينها لمواجهة الارتفاعات المتتالية في الأسعار، تواجه احتجاجات عمالية تتوسع يوما بعد يوم، ويتوقع أن يؤدي ذلك إلى تحسين أجورهم.
تنتشر في مختلف أنحاء العالم احتجاجات اجتماعية واسعة تطالب بزيادة الأجور، والمتتبع للأخبار التي تتناقلها وكالات الأنباء ووسائل الاعلام، يلاحظ التوسع المتنامي لهذه الاحتجاجات الممتدة من آسيا الى أميركا شمالها وجنوبها، مرورا بأوروبا وأفريقيا.
مستويات الأجور في الأردن منخفضة قبل موجة التضخم الواسعة التي يشهدها العالم حاليا، والأرقام الرسمية تشير إلى أن الأجور الشهرية لغالبية العاملين في القطاعين العام والخاص تقل عن خط الفقر المطلق للأسرة المعيارية في الأردن، البالغ 480 دينارا شهريا.
والآن، وبعد موجة غلاء الأسعار التي تلت جائحة كورونا والحرب الروسية في أوكرانيا، والتوقعات باستمرار تزايد الموجة، يتوقع أن يزداد أعداد الفقراء بعامة في الأردن، وأن تزداد شريحة العاملين الفقراء بخاصة.
لا أعلم ما هي خطط الحكومة لمواجهة هذه الأزمة التي تتعمق يوما بعد يوم، لأنه بالتأكيد لن ينتظر المواطن العشرية القادمة ليرى نتائج تطبيق "رؤية التحديث الاقتصادي”، إن جرى تنفيذها.
استمرار الحكومة في سياساتها برفع أسعار المشتقات النفطية، التي تؤدي بدورها إلى ارتفاع أسعار عشرات السلع الأساسية، إضافة إلى ارتفاع أسعارها عالميا، وعدم زيادة أجور العاملين في القطاع العام، ورفع الحد الأدنى للأجور، سياسة من الصعب أن تستمر إذا أردنا الحفاظ على الحد الأدنى من تمتع المواطنين بحقوقهم الأساسية.
واستمرار العمل بهذه السياسات غير الاجتماعية وغير الحساسة للمجتمع، سيهدد الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع والدولة، وستكون نتائجها خطيرة علينا جميعا.
التصريحات الحكومية في هذا الشأن تفتقر للحساسية الاجتماعية التي تأخذ بالاعتبار حال الاحتقان والحنق التي يعيشها معظم المواطنين، وتعبر عن عدم إقرار الحكومة بوجود أزمة حقيقية في هذا الشأن، وهذا تعبير فاضح عن حالة إنكار خطير للمشكلات الاجتماعية والاقتصادية العميقة التي نواجهها.
وحتى لو أقرت الحكومة، أو بعض ممثليها، بالأزمة في بعض الأحايين، فإن المضي قدما في تعميقها، وعدم اتخاذ إجراءات للتخفيف منها، على الأقل من خلال زيادة الأجور والتخفيف من ارتفاعات الأسعار، فإن هذا انكار من نوع آخر.