jo24_banner
jo24_banner

الصحف الورقية.. إحدى أدوات الدولة وأسلحتها الناعمة ودعمها واجب

عمر محارمة
جو 24 :


تعود الصحافة الورقية إلى الصدور اليوم بعد أطول فترة انقطاع عاشتها منذ تأسيس الدولة الأردنية، في واحدة من تداعيات أزمة فيروس «كورونا» التي فرضت على العالم إيقاعا مختلفا في شتى المجالات.

الصحف الأردنية التي غابت أعدادها عن «رفوف» المكتبات، وايدي الباعة عند الإشارات الضوئية، وعن مكاتب الموظفين، لم ترم راية الدفاع عن الوطن وحمل قضاياه، ولم تغب عن نبض الشارع وهمومه، فقد كانت خلال الفترة الماضية مع زميلاتها من وسائل الإعلام الأخرى الحاضر الأبرز في المشهد الإعلامي.

فعبر منصاتها الإلكترونية والرقمية حققت الصحف اليومية حضورا بارزا أعاد لها الكثير من جمهورها الذي أدرك أنه في الملمات والخطوب الكبيرة لابد من العودة للرواية الصادرة عن مؤسسات موثوقة، تعرف أهمية الكلمة وتدققها بكل معايير الموضوعية والمهنية التي ترسخت في مضمار عملها عبر عشرات السنوات.

فالمعركة التي خاضها الجميع في مواجهة انفلات «السوشال ميديا» وانتشار الإشاعة كانت تجابه أولا بالخبر والتقرير المحكوم بضوابط مهنية وموضوعية عالية وبقواعد شرف ومدونات سلوك صارمة ولا تتنازل عن ذلك سعيا لمزيد من الشعبية والمتابعة.

الدور الذي أدته الصحف الورقية عبر منصاتها الالكترونية والرقمية تستدعي أن يعيد كل المعنيين حساباتهم، وان يراجع البعض مواقفهم، فالدور الذي تلعبه هذا الصحف هام وهام جدا، وهي بالمحصلة إحدى أدوات الدولة وأسلحتها الناعمة التي لا ينبغي التفريط بها أو التقاعس عن تمكينها وضمان استمرارها ووجودها.

والأزمة التي تواجهه الصحافة الورقية في الأردن لا تختلف عما تواجهه الصحف في كل دول العالم، لكننا في الأردن وعلى خلاف الكثير من دول العالم، لم نضع حتى اللحظة خطة واضحة لتمكين هذه الصحف والحفاظ على وجودها، حيث عمدت بعض الدول إلى العديد من الاجرءات للحفاظ على صناعة الصحافة، فعمدت إلى إنشاء صناديق خاصة لدعمها وعمدت دول أخرى إلى تخصيص مبالغ في موازنتها لدعمها حتى أن صحف المعارضة استفادت من اشكال الدعم المختلفة في بعض الدول.

الصحافة الورقية التي واجهت باستمرار تحديات ظرفية كثيرة، تواجه اليوم تحديا وجوديا -أن تكون أو لا تكون-، في ظل تعاظم البديل الإلكتروني الذي لم يعد قاصراً على المواقع الإخبارية حيث باتت الأخيرة أيضا في مواجهة وسائل التواصل الاجتماعي التي تقدم خدمات أسرع على الرغم من كل علامات الاستفهام التي توضع على محتواها من حيث الحرفية والمصداقية ومراعاة الاعتبارات الأخلاقية.

إدارات الصحف تدرك أن كلمة السر لاستمرارها يتمثل بخلق «صحافة ورقية جديدة بديلة»، تختلف جذريًا عن الموجودة حاليًا وذلك بالالتفات إلى حتمية تغيير نوعية المحتوى، فالسباق على الخبر لم يعد ميدان الصحافة «لا الورقية ولا حتى الإلكترونية» والسباق اليوم هو في كسب ثقة الشارع من خلال الحياد التام والالتفات إلى الموضوعات المجتمعية (قضايا الناس) على مختلف شرائحهم وقطاعات عملهم ومستوياتهم الثقافية، وطرح تلك المواضيع من خلال الفنون الصحفية الحديثة المتنوعة كالصحافة الاستقصائية، وصحافة البيانات، واستخدام التكنولوجيا في تدعيم المحتوى الصحفي من خلال الفنون الجديدة «الانفوجرافيك، التايم لاين، وغيرها»، والاعتماد أكثر على التحليل الإخباري، والمقالات، البورترية، الكاريكاتير وغيرها من الأنماط التي لا يجدها القارئ إلا في الصحف الورقية والتي تمنحها تميزا لتصبح عناصر جذب للمتابعين.

وتدرك هذه الادارات أن سر استمرار الصحف، يكمن في مدى قدرتها على أن تصنع محتوى يميزها عن ما يُسوّق على الإنترنت وعلى المنصات الاجتماعية، حتى يجد القارئ قيمة مميزة في الصحيفة، لا تعوضها أي وسيلة أخرى من وسائل الإعلام الأخرى وتصبح ضرورية ومهمة للجمهور.

العمل على المحتوى من شأنه أن يعيد ثقة الناس بالصحافة و بالتالي تعظيم إيراداتها من خلال الاستحواذ من جديد على اهتمام المعلنين، وقد يسمح هذا في التفكير بوضع رسوم على تصفح الموقع الإلكتروني أو بعض أجزائه ولكن بعد الوصول إلى مستوى معين من الانتشار والموثوقية.

تحقيق هذه الغاية قد يتطلب وقتا ليس بالقصير، لكن المضي في هذا المسار هو الخيار الوحيد لضمان استمرار الصحافة الورقية ذاتياً، لكن هذا المسار يتطلب بالضرورة إجراءات تساعد الصحف على البقاء وتمكنها من فعل كل ما سبق وهو ما يتطلب بالضرورة دعما ماديا يمنح الصحف الوقت الكافي لاعادة ترتيب أوضاعها وتمكين العاملين فيها من مواكبة الثورة الرقمية.

تحتاج الصحف الى إطلاق برامج تدريب مستمرة لتطوير قدرات العاملين في الصحف لمواكبة أحدث الفنون الصحفية خصوصا أن غالبية العاملين في الصحف اليومية خريجو مدرسة الصحافة التقليدية، ولابد من إيفاد قيادات التحرير في الصحف للإطلاع على قصص النجاح التي حققتها بعض الصحف حول العالم لمحاكاة تلك التجارب ونقل الخبرة في هذا المجال، وهو ما يتطلب توفير دعم مالي في المرحلة الأولى لتمكين الصحف من الوقوف على قدميها من جديد ورفد التحرير بدماء جديدة تعرف أصول الإعلام الجديد.

واهم من يعتقد أن الصحافة قد تراجع دورها وحضورها،فالصحافة على العكس ازدادت أهمية لكنها قد تحتاج لثوب مختلف تطل فيه على جمهورها وتشد به إليها المتابعين، لتبقى سند الدولة وحاملة رسالتها وقضاياها وعين الناس وملجأهم لمعالجة همومهم وقضاياهم.


(الدستور)
 
تابعو الأردن 24 على google news