أصحاب الرِدة
لا تنطلق غالبية الأصوات المعارضة لقانون الانتخاب الجديد من قاعدة البعد السياسي للقانون فقط، حيث يشغل البعد الاجتماعي للقانون مساحة واسعة من تفكير مناوئي الصوت الواحد في الدوائر الفردية.
فالصوت الواحد بحسب فقهاء في القانون وخبراء في علم الاجتماع ووفق نتائج لدراسات عدة أسهم بشكل كبير في تفكيك لحمة المجتمع وتشتيت أبناء العشيرة الواحدة وتنامي النزعة الفردية وتكاثر الهويات الفرعية وكل ذلك على حساب الهوية الوطنية الجامعة.
وكانت عدة دراسات قد أكدت بأن المجتمع الأردن تحول من مجتمع عشائري متماسك على مستوى العشيرة الواحدة وعلى مستوى علاقات العشائر ببعضها البعض إلى جزر معزولة، تفتقر لمقومات التماسك الذي ساد منذ نشأت الدولة الأردنية.
وأشارت تلك الدراسات إلى أن ذلك نتاج لعدة عوامل من بينها نظام الصوت الواحد الانتخابي الذي لم ينعكس فقط على الوجه السياسي للأردن بل كان ذا أثر ملحوظ في خلق اختلالات مجتمعية عديدة، لعل أبرزها وأكثرها وضوحا تنامي ظاهرة العنف المجتمعي.
ومن هنا يأتي تفسير المعارضة الشديدة التي يواجها القانون من قوى مجتمعية عديدة اتفقت في معارضتها للقانون مع قوى سياسية اعتبرت عبر عقود في الصف المناوئ على المستوى السياسي.
و مع أن المعضلة الرئيسية للانتخابات النيابية في الأردن كان في مدى نزاهة وشفافية العملية الانتخابية إلا أن تبعات الصوت الواحد وأثاره السياسية والاجتماعية كانت المحرك الأساسي للمقاطعة المعلنة وغير المعلنة للانتخابات السابقة.
فالمقاطعة المعلنة من قبل بعض القوى السياسية عللت في أكثر من مرة عن رغبتها بالعودة عن نظام الصوت الواحد قبل إعادة دراسة مشاركتها من عدمها فيما كانت المقاطعة غير المعلنة والمتمثلة بالعزوف عن المشاركة تعبير غير مباشر لرفض هذا النظام وما ترتب عليه من آثار.
وقد كانت هذه المقاطعة –الغير معلنة- الأكبر حجما رغم عدم وضوح ملامحها إلا من خلال الأرقام الحقيقية للمشاركين في الانتخابات والتي تتحدث بعض الأوساط عن أنها لم تتجاوز 20% في انتخابات 2004 و 2007 و 2010.
الحديث عن أن قانون الانتخاب الجديد لا يمكن تسمية نظامه بنظام الصوت الواحد باعتبار أن القانون اعتمد النظام المختلط بعد اعتماد قائمة وطنية قوامها لا يزيد على 11% من حجم المجلس النيابي هو حديث يلتف على حقيقة هذا القانون الذي يعبر عن رغبة كامنة في بقاء الأمور على حالها.
ومن هنا ترى كافة القوى السياسية والشعبية المشاركة في الحراك أن القانون الجديد يشكل رِدة عن نهج الإصلاح وتراجعا عنه رغم الرسائل الواضحة من رأس النظام بمضي عملية الإصلاح في طريقها.
و قد تكون إجابة رأس النظام على تساؤل القوى السياسية والشعبية عن صاحب أو أصحاب هذه الردة واضحة في رد القانون وإعادته إلى مجلس الأمة لإعادة دراسته من جديد وتعديله بما يتفق مع توجيهات جلالة الملك وتعليماته في انجاز مشروع الإصلاح الوطني.
ولا اعتقد بأن أصحاب الردة خافون على تلك القوى فمن ارتبط قرار تعيينهم وإقالتهم بصدور الإرادة يعلمون جيدا بأن بقائهم أو عودتهم مع ما يعني ذلك من استمرار تنفعهم وتنفع كثيرين من ساسة البز نس مرتبط ببقاء الحال على ما هو عليه، ففرص عودتهم إلى مواقعهم بإرادة شعبية تبدو معدومة بل معدومة نهائيا.