حفظ الله مصر
لم أقم بزيارة مصر ،ولم أتمتع بجمالها وأخالط ناسها وأشرب من نيلها ،ومع ذلك فإن لي فيها أصدقاء أجلهم وأحترمهم وهم كذلك،وهي لم تفارق ذهني منذ أيام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر،وحتى إبان مرضها العضال إبان فترتي كل من السادات ومبارك ،فإنها لم تغادر مخيلتي وكنت أدعو لها بالتخلص من الظلم الذي أحاق بها،وتسبب في مرضها فمتنا جميعا لأننا إفتقدنا مصر التي كانت تحنو علينا.
ظننت بداية أن خلاص مصر من ظلم مبارك وزبانيته ،سينقلها من غرفة الإنعاش إلى الجو العليل ،دليل شفائها ،لأن السبب يزول بزوال المسبب،لكن مصر التي نحب جميعا ،غرقت في دمائها ،وهاهي تعود مكبلة إلى غرفة الإنعاش ،والله وحده يعلم النهايات ،لأننا لا نريد التجاوز ونقول أننا نحن أيضا نعلم ذلك ،لأن المكتوب يقرأ من عنوانه،وقد إتضح لنا أن إسم المرسل وعنوانه لا يبشران بخير لمصر بالتحديد.
منذ أن إختطف القدر الزعيم الخالد عبد الناصر ،ومصر تخطو مراحل مستهجنة فمن دين عام بلغ 5 مليارات دولار عند رحيله ،إلى دين بلغ مع خلع مبارك 212 مليار دولار أي 1.5 تريليون جنيه ،كماورد في خطاب الرئيس محمد مرسي.
مصر التي نحب أكلت وبيعت على أيدي كل من السادات ومبارك وزبانيتهما ،ولذلك وجدنا الفساد وقد تربع على مصر بأكملها ،وجرى إخراجها من معادلة الصراع الذي كان يطلق عليه الصراع العربي- الإسرائيلي،وبعد إجبار مصر على خلع ثوبها العروبي ،تحول إلى الصراع الفلسطيني –الإسرائيلي ،وباتت إسرائيل صديقة العرب ،فيما فلسطين والقدس والأقصى لا بواكي لها.
لم يكن الرئيسان السابقان لمصر حكاما بمعنى الكلمة بل كانا مقاولين فاسدين ،تاجرا بخسارة في مقدرات مصر ،حتى أن نسبة أرباحهما لم تكن مناسبة لما قاما به من جهود لتضييع مصر،فقد بيعت وحدة الغاز المصري بدولارين فيما كانت تورد لمصر ب12 دولارا وكذلك النفط الذي كان يباع لإسرائيل مع الغاز بثمن بخس دراهم معدودات ،بينما تشتري مصر إحتياجاتها النفطية بالسعر العالمي.
بتولي السادات رئاسة مصر ،وهذه بالمناسبة من إحدى الظواهر التي تغاير نواميس الطبيعة ،فرح أعداؤها كثيرا لأن السادات سلمها لهم على طبق من ذل ،وقال عنه " العزيز " هنري كيسنجر بعد أن طرد الخبراء الروس من مصر أنه أغبى رئيس قابله في العالم،لأنه أقدم على تلك الخطوة الإستراتيجية بالنسبة لأمريكا بالمجان، وأنه لو ساوم أمريكا لقدمت له الضفة وغزة ثمنا لتلك الخطوة ،التي طردت الإتحاد السوفييتي من مصر.
لا أريد تقليب ملف زيارته للكنيست وتصريحاته الغبية ولا توقيعه معاهدة كامب ديفيد ،وقصة محاصرة الجيش الثالث ولماذا كان يقول لقائد جيشه عندما يبلغه أن دبابات العدو التي تحاصرهم إزدادت واحدة ،فيقول له :سيبها ،وعندما أبلغه أن حصار إسرائيل للجيش الثالث قد إكتمل ،رد عليه:الآن سأتصرف؟؟؟!!!!
لم يكن المخلوع مبارك الذي أسهم في التخطيط لمقتل سلفه السادات بعد زيارة له لواشنطن ،وفرشوا له السجاد الأحمر ورحبوا به :أهلا بالرئيس المقبل ،لم يكن أكثر رحمة من السادات بمصر ،بل كان أشد إجراما،إذ كان له حزب يعج بالفاسدين ،وعائلة لا ترحم ،حتى أن زوجته لم توفر حتى التبرعات التي جمعت لمرضى السرطان من الأطفال،وأرادت أن تورث إبنها الحكم ،وكأن مصر مزرعة لها .
اليوم تدخل مصر مجددا غرفة الإنعاش ،وندعو لها بالشفاء ،ولكن أبواب السموات السبع هذه الأيام مفتوحة فقط لابنائها ،فهم الذي يجب أن يصلوا من أجلها ،مع أننا نلهج دوما بالدعاء لها ،لكن دعاء ذوي القربى أحيانا يكون هو المطلوب.