أغنية عساف الأخيرة.. خارطة طريق عربية
في غمرة فرحة الجميع فلسطينيين وعربا بفوز الشاب الفلسطيني محمد عساف بلقب "الأراب آيدول"،وخروجه من عنق الزجاجة منتصرا ،رغم رغبة شركة البيبسي كولا الداعمة لإسرائيل ومن كبار رعاة هذا البرنامج القاضية بعدم فوز الفلسطيني محمد عساف حتى لا يتم جرح الشعور الإسرائيلي،غاب عن بال بعض المهتمين ،إنتاج قراءة معمقة لأغنيته الأخيرة التي أداها بعد إعلان فوزه ،وعرفت بأغنية الفوز.
قبل الغوص في قراءة تلك الأغنية التي تستحق بجد أن تكون خارطة طريق حقيقية لنهضة الأمة، يتوجب تقديم الشكر والثناء الكبيرين للشاعر الذي كتب كلمات هذه الأغنية،والتي جاءت من إحساس عميق بالمسؤولية تجاه الأمة العربية التي تشهد مرحلة إندثار عز نظيرها.
ويستحق محمد عساف ايضا الشكر والثناء لأنه إختارها ،وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على مصداقيته الوطنية وإحساسه الوطني الكبير.
بالمجمل فإن هذه الأغنية جاءت لتشكل خارطة طريق حقيقية ومنجاة للأمة من الهلاك الذي إرتضت لنفسها الإنخراط فيه ،ونسيت أمجادها وخاصة عندما إعتنق العرب الإسلام ووصلوا بفتوحاتهم إلى أطراف الدنيا ونشروا العدل فيها ،لكنهم وعندما ظهر ملوك الطوائف ،غابت شمس العرب والمسلمين معا ،وباتوا تحت رحمة يهود بحر الخزر الذين إستوطنوا في فلسطين .
يقول مطلع الغنية :إشهدي يا دنيا أنني ما لنت للمعتدي"،وهذا كلام فصل يعتد به عندما يسود المنطق ،لكنه بحاجة للديمومة ،والديمومة بحاجة بدورها إلى دعم ،والدعم هنا مفقود للشعب الفلسطيني ،إذ بات الدعم لإسرائيل فقط ،بحرمان الفلسطينيين من مواصلة القتال والضغط عليهم لتقديم التنازلات تلو التنازلات لإسرائيل.
الشعب الفلسطيني كما هو معروف لم يبخل بتضحياته لفلسطين بل قدم خيرة أبنائه ولكن قاتل الله الخيانات .
بعد التأكيد على موقف الشعب الفلسطيني جاء دور النصيحة للشعوب العربية المفككة والمثقلة بالهموم ،أن تتوحد لأن الوجع والألم يشمل الجميع ،ولا يوجد شعب عربي خال من الهموم حتى لو كان غنيا،ولذلك قيل في الأغنية "يا شعوب الضاد لازم بالوجع تتوحدي".
لم يقف الشاعر عند مطالبة العرب بالوحدة لمواجهة التحديات وما أكثرها ،بل وضع إصبعه على الجرح وقال عدة مرات :"يا عروبة تجددي"،فنحن فعلا بحاجة للتجديد كي نظهر للعالم على حقيقتنا ،أصحاب رسالة ،نؤثر في الحدث ،لا مجموعات بشرية متناثرة على الرصيف العالمي هنا وهناك، لا صوت ولا أثر لنا ،بل نحن من نتأثر ،وأصبحنا مضرب الأمثال في التكيف مع كل وضع مزري ،ونقبل أن يضغط علينا أي كان ونستجيب له.
المطلوب من الأمة العربية أن تتجدد فعلا وتشمر عن زندها وتنخو أبناءها المتعطشين للكرامة والمجد وتحقيق النصر،والتجديد هنا يكون بالإنبعاث الجديد الذي يعيد تقديمها للعالم كتلة واحدة صاحبة قرار .
بعد أن وضع الشاعر إصبعه على الجرح النازف في الجسد العربي المنهك المفكك قال الشاعر بأن "النار بدها نار"،بمعنى أن القوة يلزمها قوة لصدها، فالحق لا يعود بالخنوع ولا يعيده الخانعين،وقالها الزعيم الخالد جمال عبد الناصر أن ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة.
وقام بتدعيم القرار بقوله :"يرخص إلك موتي"في إشارة إلى ان الشباب العربي لن يبخل على فلسطين بتقديم الأرواح فداها ،كما شدد مخاطبا الأقصى الجريح الآيل للسقوط بفضل الحفريات الإسرائيلية المستمرة منذ العام 1967 ":يا أقصى يا مجروح من بعدي ما بتروح،ما دام في روح يا قدس إنت موعدي".
لم يكتف الشاعر بسرد الحقائق أمام أمته بل طالبها في نهاية الأغنية بأن تصحو من سباتها العميق الذي فاق حالة التخدير ،عل وعسى أن تعيد لأبنائها كرامتهم المفقودة،بقوله :"يا عرب إصحوا بقا".