أحداث مصر..الكارثة المغلفة بالفرح
للذين فرحوا وما يزالون رافعين لواء الفرح لما جرى في مصر ،أقول :لا يغرنكم هدوء سطح النيل ،فعميق مائه جار كالسيل ولكن لا تشعرون،وأوقول أيضا أن هدوء العاصفة في وقتها ليس دليل نجاة ،بل هو مقدمة للدمار ،ولذلك يقال في الأمثال :هدوء العاصفة.
أخاطب في هذا المقال المتواضع كل الداخل في مصر ،وأتوجه لكل الخارج ،وأتمنى من الجميع ألا يدعي أحد أنه صاحب " الفضل " في التغيير والتحول اللذين تشهدهما مصر المحروسة هذه الأيام،فهو مخطط جاهز ومعلب ،والقرار صدر منذ زمن ،لا دولة إلا دولة إسرائيل اليهودية في الشرق الأوسط الوسيع الذي دعا له مؤسس الصهيونية ثيودور هيرتزل .
حراك مصر نراه رؤيا العين،ولكن حراك بعض الخارج الذي يرعبه شفاء مصر وإستعادتها لدورها القومي في قيادة الأمة العربية،لا نراه جليا بل نسمعه تصريحات ومواقف ،لكن الفرح مخفي ليس في النفوس بل في أماكن أخرى.
لا يفهمن أحد من الذين يهيأ لهم قدرتهم على التصيد في الماء العكر،أنني أتباكى على مرسي وغيره ،بل إنني أبكي دما على مصير مصر ،لأن موت الأم يعرض أبناءها للخطر ،خاصة وأننا في هذا الزمان مثل الأيتام على موائد اللئام.
بدأت الجرثومة القاتلة في مصر بعد خلع الملك فاروق ومجيء ثورة 23 يوليو بقيادة البكباشي جمال عبد الناصر الذي توفي مدينا ولم يترك شيئا لأرملته وأبنائه دليل عروبته وشفافيته،وقد جندوا له الداخل والخارج وورطوه في معارك جانبية لكنه صمد ،ورغم الهزيمة النكراء في حزيران 1967 ،لكن الجماهير نزلت إلى الشارع تطالب بعودته بعد أن قرر الإستقالة تحملا لتبعات الهزيمة.
هذا هو الحراك الذي يعتد به ويسجل ضمن أدوات التحول والتغيير لا الحراك الذي يقول عكاشة أنهم صرفوا عليه 7 مليارات جنيه،ولا حراك رابعة العدوية الذي أظهر لنا قتلة يحملون راية "لا إله إلا الله.
بعد عودته إلى الحكم بناء على دموع الجماهير ،عكف الزعيم الخالد جمال عبد الناصرعلى إعادة بناء جيش مصر ،ليعيد الإعتبار له ويستعيد هيبة مصر التي فقدت سيناء وغزة وكثيرا من الكرامة،ولكنهم لم يسمحوا له بذلك ،فسرعوا عمل الزرنيخ كي يقضي عليه إثر إنتهاء القمة العربية التي يعتبر تأثيرها على الصحة العامة أشد فتكا من الزرنيخ ،وقد تحالف الواقع العربي في تلك القمة مع الزرنيخ ،فمات الزعيم .
جاء السادات ومعه "الفرامة"وإتفق مع " العزيز" هنري كيسنجر على شن حرب تحريك ،أبلى فيها لجيش المصري ،ليجد نفسه فسي نهاية المطاف محاصرا "الجيش الثالث"والقصة معروفة،ومع ذلك نسب إليه انه صاحب النصر .
بعد أن ألقى السادات مصر المحروسة في غيابة جب أمريكا وإسرائيل ،جاء دور مبارك ليكبلها أكثر فأكثر ،ويسلمها لنجله كي يجهز عليها وتلك من اخطاء الحكام المزروعين في جسد الدولة،فثار عليه الناس وإختطفت ثورة الشعب المصري لعدم وجود معارضة حقيقية ذات برنامج.
مر عام ولم نر في مصر تقدما إلى الأمام،وذلك لأسباب وعوامل كثيرة داخلية وخارجية فخدام أمريكا الطاعنين في الخدمة أقسموا ألا تمر البلاد من على جسر النجاة ،والحاكم الجديد طغى عليه ظن النجاة لأنه أبقى على علاقات مصر مع إسرائيل بل وعززها.
هكذا أغرق الجميع مصر في دوامة يخشى عليها من نزف دم لن يستطيع أي نطاسي بارع وقفه ،وبالتالي تدخل مصر المحروسة في غيبوبة ربما تطول.
أعلم جيدا أن هناك من فرح لغرق مصر وفقا لحساباته الخاصة،وأعني بهؤلاء من إعتادوا على الرقص على جثث الآخرين،لضمان بقائهم ،مع أن واقع حالهم أسخم من السواد نفسه ولكن دورهم يحتم عليهم البقاء ريثما يكملوا مهمتهم ومن ثم يلقى بهم إلى الهاوية،ولنا في شاه إيران المقبور والسادات ومبارك وبن علي والقذافي وعلي صالح وغيرهم من الطغاة المثال الصارخ.
قضي الأمر ولن يتوقف المحراث الأمريكي عن الحرث في أرض الشرق الأوسط الرملية ذات الرمال المتحركة،حتى نرى قطعا فسيفسائية متناحرة ومربوطة كلها بوتد في تل ابيب بعد إعلان دولة إسرائيل اليهودية والإعتراف بها من قبل كل العرب والمسلمين ..عفوا أعني الأنظمة الرسمية .