أخطأ الفلسطينيون بالعودة إلى المفاوضات
هم الخاسرون بكل المقاييس لأن عودتهم إلى طاولة المفاوضات بوضعها الحالي يعد إذعانا ،وإستجابة قسرية لإملاءات الآخرين عليهم ،وبالتالي فلن يخرجو ا من المولد حتى بحبة حمص كما يقول المثل الشعبي الدارج.إذ لا وقف للإستيطان ولا إطلاق سراح للأسرى من المعتقلات الإسرائيلية ،ولعلها ليست مفاجأة أن عودة الفلسطينيين للمفاوضات تأتي مع تحويل المقدسيين من مواطنين إلى مقيمين في مدينتهم.
كما أن كل من ضغط عليهم بالعودة إلى طاولة المفاوضات له نصيب وافر من الخطأ وسيدفع الثمن لاحقا لأن اللعب في القضية المقدسة لن يمر هكذا بدون عقاب رباني ،وسيكون هذا العقاب على يد إسرائيل وأمريكا اللذين لا صديق ولا حليف لهما ،وإنما يستخدمان حلفائهمامن أجل الإستفادة منهم في تنفيذ أجندات خاصة.
منذ ان بدأ التفكير في المشروع الصهيوني كان واضحا أنهم مصرون على قتل أي فرصة للحل السياسي للقضية الفلسطينية ،ولذلك رأيناهم يطرحون مشاريع وافكار تنادي بدمج إسرائيل في المنطقة وتنشيط الواقع الإقتصادي،وهاهم يوردون إنتاجهم إلينا علانية بعد أن كانوا يضحكون علينا بتغيير علامة الإنتاج "الليبل"،كناية عن إستواء عملية التطبيع مع الدول العربية ،وأعني بذلك التطبيع الإقتصادي بعد نجاح التطبيع السياسي ،وحلول إسرائيل بكل وضوح على قائمة التحالفات مع الدول العربية حليفا مرحبا به ومحتفى بوجوده.
ما يريده الإسرائيليون حاليا هو السلام الإقتصادي ،لأنهم لا يريدون أي حل سياسي ولو بأدنى الحدود ،لذلك أبشر من على بصائرهم غشاوة أن إسرائيل لن تسمح بإقامة دولة فلسطينية مهما كان حجمها ،وأن الحل النهائي سيكون إلحاق أشلاء من الضفة الفلسطينية بالأردن ،بعد الضغط المادي والسياسي وتهديده بمصير النظام كما جرى مؤخرا ،حتى يقبل بالضم القسري.
قالها المرحوم الشيخ حسين باشا الطراونة في بدايات القرن المنصرم في بيان وجهه إلى الأمة أنه في حال تطبيع الأردن مع يهود ،فإن الأردن ذاته سيضيع،وهذا ما نلمسه جليا ،وقيمة ذلك نابعة من صدور هذا التحذير من عربي قح لم يتعلم في جامعات الغرب ولم يتتلمذ على أيدي فلاسفة الغرب ،بل قال ما يجول بخاطره حسب ما أملاه عليه ضميره ولخوفه على بلاده .
حتى لو إجتمعوا وإتفقوا ووقعوا على حلول ،فلن ينفذ الإسرائيليون ما إتفقوا عليه ،وهذه متلازمة ربانية فيهم أنهم لن يعطوا أحدا شروى نقير ،وهم ماهرون في نقض العهد ولا أمان لهم ،وتحضرني مقولة نتنياهو عندما لامه البعض على توقيعه إتفاقا من السلطة حيث قال للائميه :لا تلوموني إن وقعت بل لوموني إن نفذت.وقالها شامير عقب مؤتمر مدريد سنفاوضهم لمئة عام ولن نعطيهم شيئا،كما أنهم أكدوا للفريق المفاوض الفلسطيني السري "قريع – عصفور"في سبعينيات القرن المنصرم انهم لن يعطوهم سوى قن للدجاج في باحة البيت الإسرائيلي.ومع ذلك جرى بعد نحو عشرين عاما توقيع أوسلو التي أقرت بوجود إسرائيل ولم يحصل الفلسطينيون على أي من حقوقهم .
أمريكا الديمقراطيين إضطرت لتحريك عجلة وزير خارجيتها جون كيري للضغط على العرب كي يقوموا بدورهم بالضغط على الفلسطينيين من أجل قبولهم الجلوس القسري مع نتنياهو ، للهروب من إستحقاق فشلهم في إختطاف ما يطلق عليه:"الربيع العربي" ،وظهور الإسلام السياسي.
كما أن أمريكا أدركت أن وضع إسرائيل أصبح في خطر وربما قامت بحركة قهرية إضطرارية وهاجمت إيران لتوريط أمريكا في حرب لن تكون مضمونة النتائج لأن " الفرس" ليسوا كالعرب يقبلون الهزيمة والدوس على الكرامة.
هناك قضية أخرى أيضا وهي أن عزلة إسرائيل دخلت مرحلة الحرج بسبب إتساع دائرتها ، وهذا ما قاله كيري لنتنياهو أن إسرائيل ستواجه حملة دولية لنزع الشرعية عنها ،لذلك أرادت أن تقول للعالم أن اصحاب العلاقة الفلسطينيين يجلسون معها وأن أشقاءهم العرب يساعدون إسرائيل في الضغط على الفلسطينيين ،وبذلك يضطر المجتمع الدولي لتخفيف حدة نظرته الجديدة لإسرائيل ويخفف الضغط عليها وخاصة بعد قبولها دولة على الورق في الأمم المتحدة وإمكانية لجوء الفلسطينيين إلى محكمة الجنايات الدولية.
المتضرر الثاني بعد الفلسطينيين هو الأردن الذي لا يغيب عن دائرة وإستهداف الحقد الإسرائيلي ،فإسرائيل لن يهنأ لها بال ما دام الأردجن مستقرا ويشهد تجانسا مجتمعيا ولو بحدود الدنيا ،فهم وبكل الطرق المباشرة وغير المباشرة يخططون ويهيئون السبل لحرب أهلية أردنية .
الأردن الأرض والطبيعة والجمال والتاريخ والتضاريس مطمع إسرائيلي قديم ،فهم تواقون للسيطرة على جبال السلط وجلعاد وعجلون وسهوب مأدبا الخلابة في الربيع،وهم يستكثرون أن يكون المغطس الذي تعمد فيه سيدنا المسيح عليه السلام في الأردن وإدعوا أن المغطس الحقيقي عندهم وأن مغطس الأردن مزور .
لا يتوقون للسلام لأنه نقيض عقليتهم ،ومع ذلك يتشدقون بهذه الرغبة كثيرا لتضليل العالم الذي بات يحفظ كل تقاطيع خارطة تفكيرهم ،فهل نتعظ نحن العرب؟