الأحداث الأخيرة : القادم منها
زيان زوانة
يأتي إعلان النائب العام لمحكمة أمن الدولة أن النيابة العامة أنهت تحقيقاتها المتعلقة بالأحداث الأخيرة وأنها بصدد إتمام المراحل النهائية للتحقيق وإجراء المقتضى القانوني لإحالتها لمحكمة أمن الدولة ، ليؤشر إلى اقتراب مرحلة متابعة انعقاد أولى جلسات المحاكمة ، ويعزز هذا مقابلة محاميّ الدفاع عن بعض الموقوفين لموكليهم في السجن والإطلاع على إفاداتهم وإعلانهم أنهم يتلقون معاملة جيدة وتحت الرعاية الطبية في سجنهم .
لا جدال أننا وعلى كافة الصعد خسرنا الكثير من طريقة إدارة الأحداث الأخيرة ، وإنكارها على الإعلام المحلي والعالمي قيامه بواجبه ، بل واتهام العالمي منه بالتقصد للمسّ بنا . لكنّ هذا الآن أصبح خلفنا ، والمهم أن نتعظ من درس الأيام الماضية لنقدم للعالم محاكمة علنية مهنية تقلل من خسائرنا التي لحقت بنا ، وتعيدنا ، شعبا وارضا ونظاما ومليكا وأسرة هاشمية إلى حيث كنا نقف أمامه قبل الأحداث ، أو على الأقل لنستعيد شيئا من الثقة التي خسرناها في الأيام الماضية ، وذلك بإدراك عميق أن العالم يراقبنا ويعدّ أنفاسنا علينا ، من خلال ما سينقله الإعلام له في تغطيته للمحاكمة وأحداثها التي احتلت واجهاته منذ بداية الشهر ، وأنه سيجري مقابلات مع محاميي الموقوفين ومع أفراد عائلاتهم ومع إعلاميين ونواب وأعيان ومسؤولين سابقين قانونيين وسياسيين ، وأن علينا أن نستعد بتكليف متحدث رسمي عالي الجهوزية ليخاطب عقول الأردنيين والأمريكيين وغيرهم بمهنية واقتدار .
يتحدث الأردنيون والعالم ومنذ أكثر من خمسين عاما عن محاكمة " الضباط الأحرار " الأردنيين في العام 1956 ، والأراء التي تناولتها ، وأهمها أنهم ، " الضباط الأحرار " لم يتآمروا ولم يكن بنيتهم التآمر على القصر ، بل قالوا أن مجموعة ، وبدعم خارجي تآمرت عليهم ولفقت لهم التهمة ، بعد دورهم التاريخي المنسق مع المرحوم الملك الحسين في تعريب الجيش العربي الأردني وطرد كلوب باشا ، وما زال الحدث ، أفرادا وعشائر ومحاكمة موضوعا شيقا للباحثين والمؤرخين والسياسيين ، ربما كان اشهرها كتاب نذير رشيد " مذكراتي : حساب السرايا وحساب القرايا " وما تضمنه كتاب آفي شلايم " أسد الأردن " .
لم تكن الأحداث الأخيرة حدثا محليا فقط ، بل كان ثابتا بالوجه القطعي ومنذ لحظاتها الأولى أنها عالمية أيضا ، وأنها ليست حدثا يمس الأسرة الهاشمية وحدها ، بل يمس كل أردني ، وأنها ليست حدثا هاشميا ملكيا فقط بل حدثا يمس كل الملكيات في العالم العربي وغير العربي ، ولست مبالغا هنا إن قلت أنها استعادت أرشيف ملكيات أخرى ، وأنها في مقبل الأيام أيضا ، وهذا مربط الفرس ، ليست حدثا قانونيا فقط بل حدثا سياسيا وأكثر .
لذلك على الخلية المعنية المكلفة ( التي أفترض وجودها ) ، أنها بإدارتها للقادم من الأحداث الأخيرة تضعنا على مفترق طرق : إما مزيد من الخسائر أو تعويض بعضها وإستعادة بعضا من ألقنا السابق .