حين تذوب الحدود كالملح!
حين تتحول الحدود السياسية لكيانات الهلال الخصيب إلى ممرات مفتوحة بدل كونها حدود سيادة، فإن من الطبيعي أن يكون العابرون حاملي سلاح، ورصاص، وقتل وفوضى!
قبل أن يهدد السيد البرزاني بدخول الباشمركة إلى حدود سوريا الشمالية الشرقية لحماية أكراد سوريا من جماعات النصرة، تحركت وحدات حزب الله الشيعي إلى منطقة حمص، لحماية قرى شيعية تتعرض للاعتداء، وبعد القرى الشيعية التي لم يسمِ قرية منها وجد حزب الله أنه مدعو لحماية مقام السيدة زينب في دمشق، ومثله فيلق القدس العراقي.
ومقابل ذلك، يجد بعض سُنّة طرابلس لبنان أنهم مدعوون للجهاد في سوريا، وقبلهم كان هذا الجهاد دعوة على لسان الرئيس المصري محمد مرسي. فهو والشيخ القرضاوي والاخوان تحولوا إلى دعاة جهاد ليس في فلسطين وإنما في سوريا.
في زمن ما كنا نقول: هذه الكيانات السياسية التي تعيش في الهلال الخصيب هي كيانات مفتعلة، رسم حدودها الاستعمار الفرنسي - البريطاني في اتفاقية سايكس - بيكو. وكان المغامرون منا هم أقل الناس حرصاً على هذه الحدود. لكن المغامرة كانت محسوبة. فإزالة الحدود المصطنعة هي الطريق إلى الوحدة القومية.. لا إلى الإرهاب، والقتل، والتذابح الطائفي والعنصري الذي فعل في جسد الأمة أخطر بكثير مما فعله سايكس - بيكو.
لقد كان المؤمنون بحرية الإنسان وحرية الوطن يرفضون الديكتاتورية مهما تلبّست بلبوس الوحدة والحرية والكرامة والحياة الفضلى. فالديكتاتورية حين تصل إلى أقصى «نجاحاتها» تذهب إلى الحرب حين تنهزم وتموت، هكذا كانت بدايات النازية والفاشية: القوة الغلابة، والحرب والهزيمة. والديكتاتوريات العربية لا تختلف كثيراً فقد ذهبت جميعاً إلى الحرب وانهزمت لكن أبشع حروب الديكتاتورية العربية هي الحرب التي شنتها على شعبها. فهزيمتها كانت أكثر إيلاماً، لأنها أيقظت كل أمراض الوطن الطائفية والعنصرية، وسلّحتها، وأطلقتها كما تنطلق الكلاب المسعورة!
كان على السيد البرزاني أن يتحرّك حين كانت «القاعدة» تأكل كبد العراق. فهل أن «النصرة» في الجزيرة السورية هي غير القاعدة في البادية العراقية؟
وكان على الشيخ نصر الله أن يثق بسلطة حليفه الأسد في «حماية» شيعة حمص، أو مقام السيدة زينب، لا أن يزاحمه على هذا «الشرف»، فيقتل مقام خالد بن الوليد، ويدمر قبر صلاح الدين، ويحيل المسجد الأموي في حلب إلى ركام. أم أن الشيخ نصر الله يقفز على ألف وثلاثمائة سنة ويحارب الأمويين؟!
حدود لبنان مع سوريا لا يستطيع الجيش اللبناني حمايتها، وحدود العراق مع سوريا هي الأخرى تفتقد الجيش العراقي الذي يحمي الديار وقد كان يحمي الخليج وعرب آسيا كلهم. والجيش التركي فقد السيطرة على مواقع كثيرة من حدوده مع سوريا. ولم يبق غير هذه الحدود الأردنية التي تستقبل الوجع السوري، وآلاف الفارين بأرواحهم وأطفالهم وأمهاتهم. فعليها الجيش الذي يمنع المسلحين من جهتي الحدود: اخلع نعليك من رجليك، فهذه الأرض مقدسة!
فقد كنا دائماً ندعو إلى وحدة سوريا الكبرى بالقناعات وباليقين القومي، واحترمنا حدود المؤامرة الاستعمارية طالما أن الشعوب تقبلها. وما زلنا نحترمها في وجه الإرهاب الذي ازالها ليزرع فيها الفوضى بدل الوحدة القومية!
(الراي)