أوّاه يا مصر..ذهبت ريح العرب
الأمور ليست مصادفة ،ولا يمكن قياس ما يجري في مصر المحروسة وإخضاعه للصدفة ،بل كل شيء بمقدار ،وفرجار المهندس السياسي وقلم رصاصه المدبب الدقيق،هو الذي يرسم الخطوط ويحدد النقلات ،حتى تبدو الأمور بأنها مرسومة بكل الدقة والشفافية المطلوبة.
قبل يومين نشرت تصريحات على لسان رئيس الموساد الإسرائيلي السابق داني ياتوم قال فيها أن من مصلحة إسرائيل عدم عودة الإسلاميين إلى الحكم في مصر ،وبرأيي المتواضع فإن هذه التصريحات جاءت للوهلة الأولى تضاربا في الرؤى بين أمريكا وإسرائيل ،حيث أن أمريكا سهلت للإخوان الوصول إلى الحكم في مصر، لكنها غضت الطرف عن عملية إزاحتهم من قبل السياسي ،لحاجة في نفس يعقوب قضاها.
وتابع ياتوم الذي يعد من صانعي السياسات في الشرق الأوسط أن إسرائيل ترغب بإستمرار الحكم العسكري في مصر ،وأن الصراع العسكري في مصر يجب ألا يقلقها ،وأنه مسألة وقت؟!!!!كما دعا إلى تكيثف التنسيق مع الجيش المصري ودعمه ،مبشرا بأن الأمور ستؤول في مصر إلى عودة نظام مبارك العسكري الديمقراطي.
من هنا نبدأ ونقول أن بصمة إسرائيل نافرة وبرائحة مقززة في كافة منعطفات وثنايا مجريات الأمور بعد الإطاحة بالرئيس مبارك وحتى هذا الإنفجار،وهذا يعني أن ذهاب من ذهب ومجيء من جاء ليس رغبة شعبية مصرية بل هو تخطيط إسرائيلي.
من يرتاب من ذلك عليه مراجعة ما قيل ونشر عن أصول الطاقم الجديد الحاكم في مصر ،وقد أضحكني إلى حد الحزن طلب وزارة الداخلية المصرية من الجيش مساعدة الشرطة في فض إعتصامات الإخوان ،وكأن السيسي ليس هو الحاكم بأمره في مصر.
تفجير مصر والتدليس الذي تم يوم الثلاثين من يونيو-حزيران الماضي ،كان مخططا إسرائيليا بإمتياز نفذته قوى مزروعة في مصر منذ زمن عبد الناصر للإنقضاض على اي تحول عن إسرائيل لاحقا .
ما يجري في المحروسة مصر هذه الأيام ،دلالة أكيدة على أن الثلاثي القدري العربي قد إنكسر ، وكانت البداية كسر شوكة العراق ومن ثم جاء دور سوريا وإكتملت المأساة في المحروسة مصر ،لتكون الفرحة الكبرى في إسرائيل التي لم تجد أساسا من يقف في وجهها إبان الزخم الإعلامي العربي فكيف الحال وقد ذهبت ريح العرب بتفجير مصر؟
ليس دفاعا عن الإخوان المصريين الذي أخطأوا في إدارة البلاد ،وكان من الأجدر بهم أن تكون خيوط اللعبة في أيديهم ويعينوا من هو كفؤ لإدارة البلاد شرط ألا يكون منهم ولمدة عشر سنوات ،وأن يتفرغوا هم للعمل الدعوي والتنمية المستدامة في مصر ومن ثم يكشفون عن بصمتهم في الحكم وفي التنمية لكن ذلك لم يحدث ،فغلبوا ولا أظن أنهم بعد غلبهم سيغلبون .
ما أستشفه من تداعيات وإرتدادات تفجير مصر ،أن الرأي العام والإعلام في المحروسة قد جرى تحويلهما إلى ما هو في غير صالح مصر ،لأن الإخوان ليسوا جماعة طارئة على الشعب المصري شئنا أم أبينا بل هم جزء أصيل في المجتمع المصري ،وربما لم يوفقوا في الإندماج في المجتمع المصري وأظهروا أنفسهم سربا مميزا منذ أيام الزعيم الراحل جمال عبد الناصر.
كلنا يعرف ما جرى من تجهيل وتظليم للرأي العام في أوروبا إبان عصور التخلف وما عرف بصكوك الغفران ،وقد شهدت المحروسة مصر ما يشبه ذلك بعد تسلم السيسي الحكم ،إذ قيل كذبا بطبيعة الحال أن غزة كانت "تشفط "نفط مصر ،وغذاءها ،والحمد لله أن أحدا لم يقل أن الغزيين قد شفطوا هواء مصر،والأنكى من ذلك أنهم إتهموا الرئيس المعزول مرسي بالتخابر مع حماس ؟؟؟!!!!!
غابت الحكمة عن المحروسة مصر ،وحضرت الرغبة الإسرائيلية وسنرى مصر وقد تقسمت إلى كانتونات عرقية تنفيذا لمشروع الشرق الأوسط الوسيع الذي دعا إليه ثيودور هيرتزل.