jo24_banner
jo24_banner

سفينة الجنون

طاهر العدوان
جو 24 :

ينتشر العنف والإرهاب عبر الحدود القطرية العربية وكل يوم جديد في هذا الجزء من العالم يحمل الى أذهان الناس ما هو أسوأ من الكوابيس المرعبة. سفك الدماء لم يعد يعرف مكانا دون غيره ، لا حرمة دينية او أخلاقية او ثقافية لأي مكان ، المساجد تنسف والكنائس تحرق واعداد جثث الأطفال تضرب أرقما قياسية وكأننا نعيش حروب وغزوات القرون الوسطى حيث كانت شعوب تباد ودول تختفي . 
من سوريا الى لبنان ومصر والعراق عنف ينبئ بانه لم يعد هناك حصانة لأي شعب ولا لأي دولة الا لمن سبق الأحداث ببناء مناعة شعبية جامعة ، ولو كانت كل هذه الخسائر الباهظة الفادحة في الأرواح والممتلكات التي ابتلي بها الناس هي نتيجة حروب بين الشعوب العربية وبين قوى اجنبية غازية و محتلة لكتب فيها الشعراء القصائد التي تجعل من هذه الخسائر محل اعتزاز وفخر ، لكنها نتيجة دراما إنسانية مؤلمة في مسيرة أمة كانت حتى وقت قريب ترفع شعارات الوحدة العربية واذا بها بين يوم وليلة تصحو في الصباح على وعي منحرف يتفجر بالاحقاد ويضخم التناقضات والخلافات الى حد استباحة الدماء وبوحشية لا نظير لها من الظلم انتسابها الى دين او سياسة .
قبل عامين ونصف خرجت شعوب الى الشوارع تطالب بحريتها وكرامتها فاذهلت العالم وحبست أنفاسه إعجاباً بما أظهرته من قوة إرادتها العزلاء من كل سلاح في احداث التغيير وفرض الإصلاح نحو مسارات ديموقراطية سميت بالربيع العربي ، لكن ( الفرحة ما تمت ) إذ سرعان ما تحولت شعارات الحرية والكرامة والسلمية الى مجازر وحروب إبادة من جهة والى مجتمعات أفاقت على روح اقصائية تنتشر بين صفوفها ، تحطم حتى ما كان قائما على مدى التاريخ من تعايش وترابط بين الجماعات والمذاهب والأديان على الارض العربية ، فمن حرب السنة على السنة الى حرب شيعية ضد السنة وبالعكس ، وصولا الى عمى طائفي يتزايد بوعي إقصائي للآخر الى حد المناداة بتصفيته .
نحن امام تفشي بيئة القتل والإرهاب والإقصاء طاردة مفاهيم الإصلاح والحوار والتعايش ، وبدل ان تشكل مشاهد القتل اليومي البشعة والهمجية والاجرامية صدمة للأمة أفرادا وجماعات وحكومات وتدفعها الى اليقظة والعودة الى الرشد في مواجهة فتن لا تترك طفلا ولا شيخا ولا امراة الى آخر قائمة المحرمات في وصية الخليفة الصديق ابي بكر الى المقاتلين ، بدل ذلك لا نرى الا إمعانا في ارتكاب الجرائم وتحويل الأوطان الى رقع عنف وارهاب يمزق الأجساد والارواح .
تعيش الشعوب الان حالة ينتشر فيها الهياج والتعصب والإقصاء الذي يصل مراتب الداء النفسي الخطير ، الى ان اصبح أبطال أفلام هولوود في الجرائم المتسلسلة (من أصحاب الأمراض النفسية) أقزاما امام أبطال الجرائم المتسلسلة من ديكتاتوريون وإرهابيون يقتلون المدنيين بالجملة ، ينسفون المساجد فوق رؤوس المصلين ويقتلون الناس في الشوارع بالسيارات المفخخة . كيف لأي إنسان ان يفهم عقلية ونفسية من يرتكب هذه الجرائم ومن أي موقع فكري او عقائدي ينطلق و أي مبرر هذا الذي يعطيه الحق في ارتكاب كل هذا القتل !!
انها سفينة الجنون التي تريد ان تأخذ هذه الأمة الى عصور من الظلام و الكفر بالأوطان وبالعروبة والمقاومة والممانعة لانه في البداية والنهاية تبنى الأوطان بناسها الأحرار وتنتصر الشعوب ضد أعدائها بتقديس دم كل فرد من أبنائها وان من يقتل نفسا كمن قتل الناس جميعا، وبانه لا قيمة لأي شعار يشق طريقه على جماجم الناس .

(الرأي)

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير