طلب التدخل الخارجي في الماضي والحاضر
بعد مذبحة الكيماوي تعود الأوضاع المأساوية في سوريا بقوة الى واجهات النشرات الإخبارية والى مطابخ القرار الدولي المعنية بمسائل الحرب والسلام، الرئيس اوباما وصفها بانها تهدد الامن القومي الأمريكي، اما بوتين فيحذر من تداعياتها على الامن في الشرق الأوسط وكل هذا يتم وسط تدفق الأساطيل الى البحرين الأبيض والأحمر.
بعد ٢٠ عاما من غزو الكويت وعشرة أعوام على سقوط بغداد، لا تزال المنطقة العربية مصدرا للبراكين السياسية والعسكرية المفاجئة التي تستقطب القوى الحربية الدولية الى مياهها وأراضيها وأجوائها لخوض حروب بالإنابة لصالح أطراف عربية ضد أخرى، وان دل ذلك على شيء فانما هو انكشاف الامن القومي العربي امام القوى الخارجية، وارتباط مصائر العرب بشكل متزايد بالقوى العظمى فهي التي يتم اللجوء إليها لوضع حد للنزاعات العربية -العربية واستدعاء القوة العسكرية للتدخل.
في اجتماع وزراء الخارجية العرب بمقر الجامعة يوم الأحد الماضي حول سوريا وضع وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل يده على الجرح الذي يلخص حال العرب في الأزمات، عندما قال بان الدول العربية عاجزة عن حماية الشعب السوري من مجازر النظام ولهذا اضطر هذا الشعب الى الطلب من المجتمع الدولي مساعدته والدفاع عنه، وأضاف الفيصل، السعودية تدعم في هذا مطالب الشعب السوري. ثم تساءل عما اذا كان من يعارض ضرب النظام على جرائمه انما يشجعه على مواصلة هذه الجرائم.
الشعب السوري ليس الأول ولن يكون الأخير في طلب تدخل دولي لحمايته من المذابح والاعتداءات، الفلسطينيون واللبنانيون فعلوا ذلك عام ٨٢ عندما حاصرت اسرائيل بيروت ودكتها بمختلف أنواع الأسلحة لمدة ثلاثة اشهر متتالية وكانت المناشدات تتركز على تدخل البيت الأبيض لوقف القصف. والفلسطينيون طلبوا ذلك في كل مرة تعرضت فيها الضفة والقطاع لحملات عسكرية إسرائيلية وأيضاً قام الكويتون بهذا عندما غزا العراق بلدهم، الأمثلة كثيرة على اللجوء الى قوة اجنبية لمواجهة احتلال خارجي او حملات قمع داخلية.
نعي كعرب، في الجامعة وخارجها، ان الدول العربية عاجزة ومنذ وقت طويل عن حل أزماتها الداخلية والإثنية وأنها أكثر عجزا في بناء مؤسسات لحل الخلافات وفرض التسويات والتصدي للانتهاكات الانسانية التي يقوم بها أي نظام ضد شعبه، والخاسر الذي يدفع الثمن من هذا الوضع ليست الأنظمة فقط انما الشعوب التي أصبحت حياة الأجيال فيها عبارة عن دوامة مستمرة من الحروب والمذابح والاحتلالات والقمع والتهجير.
ونعي أيضاً كمواطنين عرب ان الجامعة ودولها لن تنجح حتى لو أرادت في بناء منظومة قومية للدفاع عن الامن القومي وحل الأزمات الداخلية لأسباب كثيرة اهمها: ان قيام هذه المنظومة الاقليمية الفاعلة يتطلب وجود أنظمة ديموقراطية مؤسسية وهذا غير حاصل، فاوروبا فرقتها الأنظمة الفاشية في ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا واشعلت بينها الحربين الكونيتين في النصف الأول من القرن الماضي، ولم تنجز الاتحاد الأوروبي الا بعد انتهاء الأنظمة الفاشية والعسكرية، لذا تخلفت اسبانيا والبرتغال واليونان ودول شرق أوروبا لسنوات طويلة عن عضوية الاتحاد، ولم تقبل في منظماته وأطره الا بعد الخلاص من الفاشية والحكم العسكري والأحزاب الشمولية.
بدون أنظمة ديموقراطية فان شرائع الغاب تظل سائدة وتنفتح معها شهية التدخل الخارجي، ويصبح الامن والاستقرار قلاع من الرمال.
(الرأي)