الكيماوي العربي في مهب المصادرة
لا أتحدث عن المخزون السوري من السلاح الكيماوي، الذي بات في حكم التسليم بعد إطلاقه على الغوطتين ،إبان وجود المفتشين الدوليين التابعين إسما للأمم المتحدة وفعليا ينتمون لأجهزة مخابرات الدول الكبرى وفي مقدمتها إسرائيل،على بعد عدة كيلو مترات من الغوطتين،بل أتحدث عن مجموع المخزون العربي من السلاح الكيماوي ،ولا بد من التغيير أن ما كان يمتلكه العراق قد تبخر بفعل الغزو والإحتلال ،وأن ليبيا قد تطوعت إبان عهد القذافي بالتخلص من مخزونها وكشفت عنه وما تزال العملية مفتوحة.
وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على أن إطلاق سلاح الكيماوي في الغوطتين لم يكن فعلا عبثيا همجيا إنتقاميا بل كان مخططا له ومدروسا بدقة المخطط الذكي، الفاهم لدرسه جيدا والحافظ له ،بدليل أن النتائج كانت مبهرة ،إذ إعترف الرئيس السوري بشار الأسد أن سوريا تصنع هذا السلاح منذ زمن ،وأنه من الطبيعي أن تمتلك منه القدر الوفير،ولا أريد أن أتساءل حقا :ما دامت سوريا تمتلك هذا النوع من السلاح فلماذا لم تستخدمه في حروب عام 1967 حيث إحتلال الجولان ،وحرب رمضان حيث كادت دمشق أن تغرق في الإحتلال لولا الجيش العراقي الذي حرك مجنزراته دون شاحنات لعدم توفرها ،مع أنه علم أن الحرب وقعت من وكالات الأنباء،وكذلك إبان الغزو الإسرائيلي للبنان وإحتلال بيروت ؟
الإجابة أتركها لمن يعنيهم الأمر ،فنحن الآن أمام مصيبة جلبها لنا وعلينا من لا يتقون الله في أوطانهم ،وجل همهم الحفاظ على كراسيهم والله وحده يعلم من هم ،رغم أنهم أشبعونا جلدا بالشعارات القومية والرغبة الملحة لتحرير فلسطين؟!
لو كان إطلاق السلاح الكيماوي مقلقا حقا للمجتمع الدولي " الحر"،لكان إتخذ إجراءات صارمة ضد النظام السوري ،ولكن الأمر لم يكن سوى لعبة ستبدو بعد أيام مكشوفة للجميع ،لأن التهديد بضرب سوريا والتي كنا جميعا ضده ،تحول إلى نداءات لإضعاف النظام ،فأي منطق هذا؟
لكن المفاجأة المذهلة هي أن ملف السلاح الكيماوي العربي برمته سوف يفتح على مصراعيه ،وسيتم مصادرة كل نقطة منه ،مع أنه في مأمن بالنسبة لإسرائيل ،وقد جربنا ذلك منذ العام 1948 حيث أن العرب كانوا يبحثون بعد كل عدوان إسرائيلي عليهم،عن "سلام البحتية" أي سلام الرز بالحليب.
لم يكن مصادفة ولا غريبا رفض مقترح عربي قبل أيام لمؤتمر دولي بالتفتيش على مخزون إسرائيل النووي،وبأغلبية 51 صوتا من أصل 92 مشاركا .،فالمجتمع الدولي يعرف أن إسرائيل تمتلك نحو 300 رأس نووي وأنها بدأت في المشروع النووي بمساعدة فرنسا في منتصف ستينيات القرن المنصرم،وقد سرقت الكثير من اللوازم من الغرب ،وطورت الأكثر ،وها هي تمتلك مخزونا نوويا كيماويا مهولا ،مع أنها تعلم جيدا أنها أمام كائنات حية لا أسنان لها ولا أظافر،ونواياها ناصعة البياض كالثلج،ومع ذلك فإن المجتمع الدولي حريص على بقاء إسرائيل في القمة ،وألا يكون لدى العرب حتى سكين مطبخ معتبر ،رغم أن صفقات الأسلحة الغربية للعرب زكمت الأنوف المعطلة عن التنفس لأنها تتضمن أنواعا حديثة من الأسلحة ،وقيل صدقا بطبيعة الحال أن عمولاتها مخيفة.
إسرائيل النووية ورغم أنها ضمنت صداقات معظم الدول العربية حتى التي لم تعلن عن إقامة علاقات طبيعية معها،تعمل جاهدة ومن خلال جواسيسها المنتشرين معززين مكرمين في العواصم العربية ،على جمع أدلة عن مخزون الدول العربية من السلاح الكيماوي من أجل الخطوة التالية بعد سوريا.
النكتة الأكثر سماجة هي أن مصادر إسرائيلية تتحدث عن إمتلاك الأردن للسلاح الكيماوي ،ولو أننا في الأول من نيسان لقلنا أن هذه كذبة نيسان ،مع أنها في الحقيقة كذبة إسرائيل التي لا صديق ولا حليف دائما لها ، وقد حذرنا من ذلك مرارا وتكرارا ولم نجد آذانا صاغية ،وخرج علينا من يقول أن رضا تل أبيب هو المقدمة لكسب رضا واشنطن .
الملفات الإستخبارية تقول أن إسرائيل تحرك حاليا إتهامات للعديد من الدول العربية وفي مقدمتها مصر والسودان والعربية السعودية والجزائر.
ويقال أن السعودية إشترت الكثير من غاز السارين من أمريكا ،وأن السودان حصل على سلاح كيماوي من النظام العراقي السابق وهكذا دواليك ،فنحن بإنتظار تجريدنا من كل شيء ،كما جردت القوات البريطانية بعد وعد بلفور، المطابخ الفلسطينية البسيطة حتى من سكين المطبخ الضروري لكل بيت.