الكيماوي السوري .. بصمة الإدانة
قطعت جهيزة قول كل خطيب،وبانت أهداف إطلاق السلاح الكيماوي في الغوطتين ،إبان كان المفتشون الدوليون على بعد عدة كيلو مترات من ذلك المكان الجميل، وليس سرا القول أن من أطلق الكيماوي إما النظام نفسه مباشرة ،أو أنه أوكل المهمة لإحدى التنظيمات المسلحة التي تعمل لحسابه ،وتبدو أمام السذج من الناس أنها من المعارضة.
قلنا سابقا أن من أطلق النار إما أن يكون عبثيا ومجنونا إن كان من النظام ،أو يكون عبثيا وحاقدا جدا إن كان من المعارضة،ولم تطل حيرتنا لأن أمريكا بدت وكأنها في سنة أولى روضة في العمل السياسي.
فمنذ اللحظات الأولى لإطلاق الكيماوي ظهر علينا رئيس البيت الأبيض، متوعدا بالهجوم على سوريا ،ولا أخفي أنه نقلني انا شخصيا إلى خندق النظام ،لأن الأمور عندما تتعلق بالمواجهة مع أمريكا ،فإنني تلقائيا أنحاز للنظام ،وهذا ماجرى ،والحمد لله أن الضربة الأمريكية كانت تهديدا يشبه بالونا ليس إلا.
المفاجأة حد الصدمة ، كانت عندما تبين للقاصي والداني أن المجتمع الدولي " الحر"ممثلا بالولايات المتحدة الأمريكية ،كشفت عن نواياها تجاه الجرائم في سوريا التي باتت تحصد البشر والشجر وحتى الحجر في سوريا ،ولم يعد للشعب السوري قيمة عند أمريكا،بل رأينا جل هم البيت الأبيض وسيده وأركانه كافة ،هو السيطرة على السلاح الكيماوي السوري ،مع أن هذا السلاح الذي كان موجودا في سوريا بإعتراف رأس النظام الحالي ،لم يستخدم في المواجهات مع إسرائيل بدءا من عدوانها في حزيران 1967 وإحتلال الجولان وآخرها العدوانات الإسرائيلية المتكررة على الداخل السوري من قصف وتفجيرات وإغتيالات منها القائد في حزب الله عماد مغنية،مرورا بغزو لبنان صيف العام 1982 ،وطرد المقاومة الفلسطينية والقضاء على المقاومة اللبنانية ومن ثم إحتلال العاصمة اللبنانية بيروت ،دون أن يحرك النظام السوري "الكيماوي "أي ساكن.
أما موقف النظام السوري بعد "غزوة الغوطتين "وهجمة الكيماوي ،فكان يتمثل بالتفريط بمخزونه الكيماوي الذي يعد شرف سوريا العسكري ،مقابل إبقائه في الحكم وليس بقائه لأن دلالة التعبير الأول لها طعم اقوى.
ليس ما كتبناه سرا دفينا ، ولا تجنيا على أحد ،بل هو قراءة معمقة للواقع المرير الصادم إذ كيف يقبل النظام السوري على نفسه أن ينتهي إلى ما هو عليه ، ويساوم على شرف سوريا العسكري مقابل إبقائه على قيد السلطة وبدون أي مقوم سوى الرضوخ للمطلب الأمريكي؟
السفير الأمريكي في عمّان ستيوارت جونز قالها صراحة في لقائه الأخير مع رؤساء تحرير الصحف اليومية الأردنية ،أن بلاده تنظر إلى الملف النووي السوري على أنه الأهم في الملف السوري،وأن نزعه من سوريا سيكون الخطوة الأولى نحو مؤتمر جنيف2 الذي سيشارك فيه بعض من رموز النظام السوري والمعارضة السورية "المنظمة"لكنه شدد أنه لا مكان للأسد في سوريا الجديدة ،وهنا تكمن الطامة الكبرى، إذ كيف يوافق رئيس دولة على المطلب الأمريكي-الغربي وهو يعلم أنه لا مكان له في بلده بعد ذلك؟
بعد كل هذا الفعل الصادم للعقل والمنطق جراء تركيبة بعض الأنظمة العربية ،لا بد من نبش الحقيقة وتعريتها ،على شكل حزمة أسئلة طاحنة وفي مقدمتها :هل أن الشعب السوري إنتفض من أجل تسليم سلاحه الكيماوي؟ ولماذا لم يستخدم النظام على مرحلتيه هذا السلاح في وجه إسرائيل التي إحتلت الجولان عام 1967 ،وكادت أن تحتل دمشق في شهر تشرين أول 1973 لولا نخوة العراق الذي دافع عن دمشق ،لكن جنوده تلقوا الطعنات من الخلف؟و غزت لبنان عام 82؟وهل السلاح الكيماوي عند أمريكا أهم من معاناة الشعب السوري؟ولماذا إنحصر الحديث الأمريكي-الغربي على تسليم الكيماوي ولم نسمع أحدا يقول :كفى لقتل الشعب السوري وتدمير سوريا؟
إنهم يعرفون أن آلة القتل ستقتل الشباب السوري لتعطيل قدرات سوريا لعشرات السنين،كما أنهم يعلمون جيدا أن الدمار الذي حل بسوريا سيعود عليهم بالنفع لأن إعادة إعمار سوريا ستكون من نصيبهم.