الحكومة ترد ... ما أنا بقارىء ..!!
عدنان الروسان
لم تفلح الحكومات المتعاقبة في العقد والنصف الأخير في فهم كتب التكليف التي تشكلت بموجبها تلك الحكومات بل ربما لم تقرأ تلك الكتب و لا أظن أن رئيس حكومة واحد من رؤساء تلك الحكومات يستطيع ان يتذكر مضامين تلك الكتب ، كذلك بالنسبة للأوراق النقاشية الملكية و انتبهوا ( النقاشية ) هذا هو الإسم الرسمي الذي اعطي لها من الديوان الملكي ، فهل ناقشت الحكومات المتعاقبة التي أشرنا اليها تلك الأوراق أو هل أفسحت المجال في اعلام الدولة و الحكومة كي تتم مناقشتها و ادارة حوار بين كل أطياف الوطن حتى تكتمل الصورة التي كتبت من أجلها تلك الأوراق ، ثم لجان الإصلاح المتعاقبة و مخرجاتها أين صارت و ماذا فعلت بها الحكومات ...
لم يتجرأ أحد على مناقشة تلك الأوراق او نقدها رغم ان صاحب الأوراق يبعث برسالة واضحة يقول فيها للحكومة اقرأ و الحكومات كلها تصر على القول ما أنا بقاريء و تمنعنا من القراءة و تقول ان الأوراق ليست للنقاش و صاحبها يقول للنقاش و لم نعد ندري هل هي اوراق نقاشية ام الواح منزلة كما تقول الحكومة ، و هكذا حكومة بعد حكومة و يبقى الحال على ماهو عليه يبقى دور الحكومات تسيير الأعمال فقط ، و قد تحدثنا كثيرا عن التقصير الحكومي و تقصير الوزراء و لا نريد ان نعدد اوجه التقصير الكثيرة التي وقعت اثناء عمل الحكومة الحالية و الحكومات التي سبقتها من حادثة مستشفى السلط الى حادثة البحر الميت و غيرها الكثير لأننا لسنا بصدد البحث في هذا الموضوع اليوم .
عدم اهتمام الحكومات المتعاقبة وصولا الى الحكومة الحالية بتفاصيل المشهد الأردني الداخلي سياسيا و معيشيا و اقتصاديا و حتى أمنيا أوصل الأردن الى لحظة شديدة الحرج و الحساسية و ليس منصفا منا نحن المهتمين بالشأن العام من شتى ألوان الطيف السياسي ان نبتعد عن قراءة المشهد و التأشير على مواضع الخلل و الا كنا نخون أمانة المواطنة التي هي ايضا باتت بدورها أمرا مشكوكا فيه مع الهوية التي لم تكن يوما موضع نقاش ،
الحكومة لا تشعر أنها مدينة للشعب بأي شيء ، فهي تعلم انها ليست حكومة برلمانية و لا حكومة منتخبة و لا حكومة شعبية او تعبر عن الإرادة الشعبية بأي شكل من الأشكال و هذا ما يدفع رئيس الحكومة للقول علنا " أنا أعمل كأنني باق هنا للأبد و باق حتى يأمر صاحب الأمر بغير ذلك " رئيس حكومة قبله و بعد أن اشتدت الحملة الشعبية ضده و خرجت الناس للشوارع قال " ما بشيلني هون الا اللي عيني " اذا نحن أمام مزاج عام لرؤساء الحكومات يشعرهم بأنهم يقومون بعمل المفوض العام او المندوب السامي البريطاني ايام زمان في المستعمرات البريطانية ، و من هنا يكون ولائهم و انتمائهم الذي يتغنون به مطعون فيه و مشروعيتهم أصبحت مكان تشكيك من قبل الغالبية من ابناء العامة .
التداعيات السلبية التي تسببت بها الحكومة و من سبقها من الحكومات أدت بالضرورة الى تململ طبقات الشعب الفقيرة و التي تشكل الأغلبية الصامتة وهم من ابناء العشائر في غالبيتهم و قد دفع ذلك بالكثيرين منهم الى التعبير عن نقمتهم على الحكومات بتوجيه اللوم على كافة المرجعيات "..." ، و كان و ما يزال هناك ضرورة ماسة لمحاسبة هذه الحكومات التي الصقت كل اخطاءها و كل فشلها و كل كذبها بعباءة الملك حتى تتنصل من التبعات القانونية و الأخلاقية و حتى تحسب ذلك انتماء بينما هو تزلف و تنصل من المسؤوليات.
ان عدم الإستقرار الإجتماعي و الذي تمثل و ما يزال يتمثل في ثورة المعلمين على الظلم الذي لحق بهم و اخماد اصواتهم بالسجون و المعتقلات و الإذلال و الأصفاد ثم أحداث معان و سائقي الشاحنات و الذين يتهمون اليوم بتقويض نظام الحكم و يحولون الى المحاكم العسكرية بينما كل ما يريدونه ليس أكثر تخفيض اسعار المشتقات النفطية التي دمرت الإقتصاد الوطني و أحالة حياة فقراء الأردن الى بؤس اصعب من بؤس كوزيت في رواية فيكتور هوغو " البؤساء " .
إن التحول المفاجيء في مسيرة الدولة هو تحول مؤلم و متعب و محبط ، الدولة التي ولدت من رحم المشاعر العربية و استقبال الأردنيين لعبدالله الأول استقبالا حافلا تمثل في شبه اجماع حينها على تسليم الأمير الوافد مقاليد الحكم و هو أمر غير مألوف في العادة و الأعراف الدولية الا ان ذلم أفضى الى تشكيل الكيان السياسي الأردني و بدأت مسيرة الدولة التي كانت تمتلك مجموعة متكاملة من القيم التي تقود المجتمع كله الحاكم و المحكوم ، لقد كان اختيار رؤساء الحكومات يتم بناء على معطيات مختلفة و انتقاء الوزراء كان موفقا الى حد كبير ، كان الرئيس و الوزراء متواضعين جدا دون أن ينتقص ذلك من هيبتهم و كان الرؤساء يعملون دون أن يختبؤوا وراء عباءة الملك في كل صغيرة و كبيرة و كان النواب ذات يوم و المسؤولين الكبار يحملون ثقافة عامة يعتد بها و كان عيبا ان ينافق الوزراء و الرئيس للملك لأن من أصول الإحترام و التقدير و التبجيل ان لا تتملق الملك و لا تنافق له .
كان الرؤساء و الوزراء لهم هيبة و لا يكذبون و كانوا يتفاعلون مع متطلبات الشعب و كانوا حتى في ملابسهم أكثر وقارا و أقل بهرجة ، و لم يكونوا متعالين و متكبرين على ابناء شعبهم كما نلاحظ اليوم و قد استمد الرؤساء و الوزراء كل هذه العنجهية و التكبر من التفويض المطلق الذي أعطي لهم حتى باتوا يشعرون انهم طبقة نبلاء لا يمكن المساس بهم و غير خاضعين للقانون و المساءلة ، حتى باتوا يتجرؤون على كل المحرمات التي عاشتها الدولة الأردنية عبر عمرها منذ تأسيسها .
إن أدوات التخويف و الضغط و الإبتزاز لم تفلح يوما في أي مكان في العالم في ضبط المجتمعات و اخضاعها للحاكم ، كما أن استخدام القانون بصورة جائرة و تعسفية كأداة من أدوات السلطة يضر بالسلطة نفسها ايما اضرار و يجعل العلاقة بين الشعب الذي هو مصدر السلطات و بين السلطات علاقة ملتبسة فيها من العداء المكبوت أكثر مما فيها من التوافق المعلن الكاذب.
adnanrusan@yahoo.com