فينقر ... فناقر و المنسف قدس الله سره ..!!
عدنان الروسان
جو 24 :
و قصة فينقر فناقر طريفة ، Finger بالإنجليزية ومعناها كما يعلم الجميع اصبع ، و جمعها Fingers كما في معجم الإنجليز، أي اصابع الا أن ذلك تحول لدى احدى مدرسات اللغة الإنجليزية في بلاد العرب الى فناقر...
على كل حال خلونا نتسولف و لا تقطعوا الهرج ، كنت في مجلس شعبي مع معارف نتحدث كما يفعل الأردنيون عادة على أمل الهروب من أحاديث ديوانيات عمان السياسية التي تكرر نفس التحليلات منذ عشر سنوات نفسها ، غير ان ما هربنا منه وجدناه أمامنا ففي المجلس القروي الشعبي الذي حضرته ذات يوم بدأ الجميع يتحدثون بالسياسة و نتبادل المعلومات في كل اللقاءات السرية التي جمعت بين كل رؤساء العالم و يطلعنا البعض على أدق التفاصيل التي جرت في تلك اللقاءات السرية و عليك ان لا تسأل كيف حصل المتحدث على معلوماته مع أن اللقاء كان سريا جدا و لا يعرف عنه أحد لأنك ان سألت فكأنما تكذب المتحدث و قد تفقد صداقته الى الأبد ، و نتحدث عن اسعار المحروقات و يقول البعض انهم يسوقون سياراتهم نيوترو حينما تكون الطريق منبسطة او نزولا و يطفئون السيارة توفيرا للوقود ، و نتحدث عن اللحم البلدي و هنا يحلو الحديث ( أي يصبح مسليا و مثيرا ) و يبدأ كل واحد يسرد تاريخه مع اللحم البلدي حينما كان متاحا و يحتد الخلاف بين المتحدثين هل لون اللحم البلدي زهري ام أحمر غامق و يصر واحد على أنه رآه زهري اللون في اخر مرة تناول فيها المنسف باللحم البلدي منذ بضع سنوات ، و يبدؤون بوصف طرق طبخ اللحم البلدي و يسود الهدوء بينما أحد الأصدقاء يصف لنا منسفا طبخه ذات مرة أيام الزمن الجميل باللحم البلدي و السمن البلقاوي و الجميد الكركي اجتمع عليه هو وأصدقاءه في أواخر العقد الماضي على ما يظن و قال انه ما تزال طعمة اللحم البلدي تحت أسنانه حتى اليوم و تنظر فترى الكل يمصمصون بشفاههم و كأنما يتذوقون المنسف الموصوف و حينما يصل الى الصنوبر يختلف الجلوس كيف شكله و هل هو مستدير ام مفلطح و من ثم يعودون للحديث من جديد عن أشياء أخرى في حياتنا اليومية
و ينتقل الحديث الى السياسة مرة اخرى و عن المعارضة و الموالاة و عنعن الإعتقالات و يبدأ عد المعتقلين السياسيين و تهمة كل واحد و تكتشف ان نص الشعب الأردني صار ذو خبرة في مواد قانون العقوبات و ظروف الإعتقال و الجهات التي يحق لها الإعتقال و من ثم يكتشفون أنني موجود فيقول أحدهم ، أه صحيح ابو عمر انت كنت هناك من غير شر بالشسمو ، و الشيسمو يعني السجن لكنهم تأدبا لا يريدون ان يلفظوا اسمه أمامي فأبتسم و اقول يا اخوان اه والله انسجنت لكن الحمد لله الجماعة ما قصروا و مرت على خير و اكتشفت انني مواطن جحود و كنت اتحدث بأشياء لا وجود لها و مثيرة للفتنة و نشرت الكثير من الأخبار الكاذبة و لم أكن أعرف اصول المواطنة الصحيحة وغير ذلك و هنا لا بد من أن تنزل عند رغبة الجماهير الموجودة في الجلسة و تصف لهم بالتفصيل كيف نقلوك و قيدوك و أنواع القيود فهناك القيد الألماني و القيد السويسري و قد اكتشفت ذلك خلال تنقلي بين المحكمة و السجن و بين السجان و القاضي و سيارة السجن و غير ذلك من اجراءات طويلة كنا نمر بها نزولا عند التعليمات المطبقة في السجون او في مراكز الإصلاح و التأهيل كما يحلو للدول ان تسميها ، و كان يصبح الحديث ممل و مثيرا للتذمر حينما أذكر ان معاملة رجال الأمن كانت جيدة و لم اشعر أنهم بتلك الجلافة التي كنا نظنهم بها او نظنها بهم و كانت هذه الملاحظة تزعل الكثير من المستمعين و يستجوبونني بدقة كي يتأكدوا أنني لم أعامل معاملة خشنة و قلت لهم انه ماعدا لحظة الإعتقال التي كانت يعني شويه هه و الأردنيون يعرفون معنى شوية هه ماعدا ذلك الباقي تقريبا كان أقل سوءا...
و اتابع و كل القاعدين مشنفون أذانهم و كلهم اشتياق لباقي التفاصيل و كأني اروي لهم قصة من قصص الف ليلة و ليلة او من كليلة و دمنة ، و يقاطعني البعض عندما التقط نفسي و يقولون ايوه ... و بعدين و أعود للسرد و تفاصيل المهجع و أنواع الطعام و معاملة الحراس و الذهاب الى العيادة و كيف تتعود بعد بضعة ايام على حياة السجن و تقيم علاقات صداقة مع المجتمع الجديد من سجانين و مسجونين و يصبح عالمك محصورا في مكان أنت و الصراصير فيه صديقان لا تفترقان ، و في السجن تفكر في الوطن و تفكر في سبب سجنك و تطيل التفكير هل مطلوب مني أن اضحي انا في وطن الناس فيه مرعوبين و خائفين و الحكومة تظن أن بضعة كتاب و سياسيين على قارعة الطريق يمكن أن يقوضوا هيبة الدولة و نظام الحكم ، و تحزن لأنك تحب الوطن و تختلف مع النظام و الحكومة و لكنك لم تفكر يوما بايذائهم كما يؤذونك هم لمجرد انك كتبت بضعة اسطر فيها لوم و عتب و نصح رشيد...
و حاولت ان انهي سولافتي .... حتى نسمع لشخص اخر عنده سولافة أقل حزنا من مواضيع السجون و المعتقلات التي لم تكن مدونة في أسفار الوطن ذات يوم و استجدت حينما صارت الحكومات لا تطيق الشعب و تتذرع بكل شيء للإحتواء و الإنتقام ، و انتقل الحديث للمناهج و سمعت قصة قصيرة أضحكتني حتى انقلبت على قفاي و أظنني أحدثت و انتقض وضوئي من شدة الضحك فقد قالت طالبة ابنة احد الجالسين و لا أعرفه جيدا انها تعلمت في المدرسة في أوائل الصفوف الإنجليزية على يد معلمة اللغة الإنجليزية أن معنى اصبع فينقر و جمعها فناقر و كانت المعلمة تحولها الى أغنية فتتمايل و هي تردد فينقر فناقر و البنات يرددن وراءها فينقر فناقر و تقول الطالبة أنها اكتشفت لاحقا أن فناقر ليس لها معنى منفردا في اللغة وانه يمكن البحث في جذر الفعل نقر او اسم المفعول للفعل ...
ضحكنا على فنقر فناقر و روحنا عن انفسنا بالحديث عن اللحم البلدي قدس الله سره و عجل عودته و عن السجن لا اراكم الله مكروها بعزيز و اعتدلنا في جلستنا حيث وصلت قلاية البندورة بالبصل و اللبن الرايب و البصل و الخبز الكماج ابو الثلاثين قرش مش الأربعين المحسن لنتعشى عند معزبنا ...
و صحتين و عافية