العراق ..من يجفف بحر دمه
بالعودة إلى أصول اللغة ومعاني الكلمات ،نجد أن إسم عاصمة الرشيد،بغداد، مشتق من البغددة ،وهي أعلى درجة من الرفاهية في العيش،بمعنى أن العراق سابقا، كان يعيش فترة رفاهية ولا أروع ،وأعني بذلك مرحلة ما قبل النفط ،الذي تبين لاحقا وحسب آخر التقارير السرية الأمريكية ، أن هناك عشرة آبار نفط عملاقة إكتشفتها الأقمار الصناعية الأمريكية مؤخرا،يحتوي الواحد منها على ملايين البراميل ،علاوة على ان العراق كله قابع على محيط من النفط الجيد.
قرابة أحد عشر عاما من الإحتلال ،ولا هدوء ولا إستقرار في العراق ،وها نحن نرى هذا البلد العريق، ينحدر وبسرعة مذهلة نحو مصاف الدول الفاشلة،وما بات يميزه أن أهله بغض النظر عن مذاهبهم وطوائفهم ،هم الذين يشكلون قوة الدفع السريع لهذا الإنحدار.
المراقب هنا لن يجد صعوبة، ولا بعض الحراجة في تصنيف العراق ،ووضع النقاط على الحروف في فقرات التصنيف الضرورية ،إذ هل يعقل أن أهل النفط يعانون من ندرة المشتقات النفطية في بلدهم؟وهل يعقل أن أهل النفط يعانون من الفقر المدقع وتعطل عملية التنمية ،وعدم البدء في إعادة الإعمار مع أن هناك مبالغ هائلة ترصد لهذه الغاية في الميزانية السنوية؟
الحرمان والأمية وفقدان مياه الشفة هما عناوين المرحلة في العراق ،ناهيك عن الخوف والهلع وإنعدام الأمن والإستقرار وبحر الدم الذي تغذيه التفجيرات المستمرة في كافة أنحاء العراق ،إضافة إلى القتل المتعمد والمخطط له بالخطف والقنص،وقطع الرؤوس على طريقة أبو مصعب الزرقاوي.
العراق كما قلت ،كان يعيش مرحلة أبعد من الرفاهية كما يستدل من إسم بغداد ،لكن الشعب العراقي يعيش ذل الحرمان والمعاناة ،كما أنه يعيش حياة العطش وفقدان مياه الشفة ،مع أنه أول من وضع قانونا لتنظيم الري في الزراعة ، والحدائق المعلقة شاهد صادق على ذلك.
كما أن العراقيين يعيشون ظلم الطائفية والمذهبية البغيضة ،ويتغولون على بعضهم بالقتل والذبح والتفجير ،وهم الذين أول من وضعوا قوانين العدل من قبل حمورابي الخالد في العدل ورد الظلم عن المظلومين.
العراقيون هذه الأيام يعانون من قلة المدارس والجامعات وإنعدام البحث العلمي ،الأمر الذي جعل من بقي حيا من الأجيال التي ولدت في العقود الثلاثة الماضية أمية جاهلة مريضة في غالبيتها ،مع أنهم أول من وضع الحرف وتعلمه ،في الوقت الذي كان الأوروبيون يعيشون حفاة عراة جوعى أميين في غاباتهم ،كما قال ذات يوم رئيس حزب الإحترام البريطاني النائب المحترم جورج غالوي.
بغداد التي كان أهلها عند العصر ينزلون إلى الشوارع فرادى وجماعات لتناول " الموطة" البوظة من محالها لشهيرة ،ما عادوا اليوم قادرين على مغادرة بيوتهم خوفا من القتل والتفجير والخطف.
الخارج من بيته من العراقيين صباحا للعمل او لشراء رغيف خبز لأولاده مفقود لأنه لا يضمن العودة بسبب القتل المتمدد في كافة انحاء العراق ،أما العائد إلى بيته مساء فهو مولود،لأن الله كتب له النجاة في ذلك اليوم لكن خوفه من الموت في اليوم التالي لا يتوقف.
الظاهرة التي كشفت سر ما يحدث في العراق ،هي إستهداف العراقيين المسيحيين بالقتل والخطف وتفجير كنائسهم،كل ذلك من أجل إجبارهم على مغادرة بيوتهم والتجمع في مكان مرسوم لهم ، لتحديد إقامتهم في كانتون خاص بهم على طريق تقسيم العراق إلى كانتونات عرقية مذهبية متصارعة،تنفيذا لمقولة رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق ديفيد بن غوريون عام 1953 ومن ضمنها تدمير الجيش العراقي وتقسيم العراق أهم وأقوى ضمانات بقاء إسرائيل،كما أن المخطط الأشمل للعرب المسيحيين بعامة هو إجبارهم على مغادرة الشرق الأوسط برمته ،حتى تقول إسرائيل للغرب :إخلع ولاتتدخل في المنطقة لأن ما يجري فيها هو صراع يهودي –إسلامي.