بين ربيعين عربيين
العنوان للجارديان البريطانية صباح الجمعة الماضية فيه مقاربة لعنواني هذا، غير ان مرور ثلاث سنوات على بدايات ربيع العرب يدفعك الى عملية استرجاع وقراءة في المشهد والنتائج ما بين بلدين عربيين كانت بهما بدايات الربيع تشابها في ماضٍ واشتركا في وقائع ولكنهما ليس بالضرورة ان يكونا قد توافقا في النتائج والمألات تونس ما قبل بوعزيزي وما بعده ، ومصر ما قبل 25 يناير وما بعدها.
من حيث النهايات فان دستورا جديدا ولد في مصر ما بعد الثورة او الثورتين، واخر يولد في تونس ايضا عقد سياسي واجتماعي للمرحلة القادمة والجديدة ، وهما القطران العربيان اللذان ايضا نقلا السلطة من العلمانية ما قبل الثورات الى دولة دينية أفرزتها الانتخابات في تونس حزب النهضة وفي مصر حركة الاخوان المسلمين وان كانت الاخيرة اعادت انتاج الثورة بإسقاط شرعية حكم الاخوان بعد عام واحد.
الربيع في مصر
المؤسسة العسكرية والجيش المصري وحتى من قبل الجمهورية هو صاحب الكلمة والكفة الراجحة في مصر فالملكية التي انهتها حركة الضباط الاحرار في العام 1952 ثم سرعان ما اطاحت ب محمد نجيب لتحمل جمال عبدالناصر الرأس المدبر للانقلاب على الملكية الذي خلفه من بعد صديقه محمد انور السادات ومن بعد مبارك الذي اطيح به بعد نحو ثلاثين عاما عبر ثورة 25 يناير هو الاخير ابن للمؤسسة العسكرية.
المؤسسة العسكرية والجيش المصري تدير وتقود هامشا واسعا من الاقتصاد والتنمية حيث تدير الشركات التجارية والمصانع كمصانع الاسمدة والاسمنت والسيارات، ويبني الطرق والجسور والمنتجعات السياحية بل يذكر لي احد الاصدقاء من الصحفيين المصريين ان الجيش يستثمر في مقاهي ويوظف عشرات الالف من المدنيين بالإضافة الى مليون مجند في مختلف صنوف القوات المسلحة المصرية.
الربيع في مصر جاءت شرارته من خلال ادوات التواصل الاجتماعي التي سجلت وحملت السخط على تردي الاوضاع وغياب العدالة واستفحال الفساد في الدولة التي تغرق المديونية وجاءت الدعوات من الشباب المدني على غير العادة التي عرفت الانقلابات والاغتيالات دون الانتخابات الحقيقية التي تعبر عن الارادة المصرية وفي نتائج الثورة اسقط حكم مبارك وجرت انتخابات اوصلت الاخوان المسلمين الى كرسي الحكم وسلطة القرار لمدة قاربت العام طغت فيها على مصر الميول الإقصائية، وهو ما فعله الإخوان بعد تمكنهم من السيطرة على مجلس الشعب والشورى والحكومة والرئاسة، حيث لم تكن لديهم الرغبة في مشاركة أحد في حكم البلاد ليعود الجيش من جديد ويقود دفة البلاد في انقلاب على انتخابات افرزت سلطة مدنية ووضعت السلطة الانتقالية التي عينها الجيش الدستور الجديد بانتظار ان يصل قائده الى سدة الرئاسة في عملية اشبه ما تكون اعادة تدوير لما قبل ثورة 25 يناير.
الربيع في تونس
الجيش في تونس قليل العدد نسبيا مع عدد السكان فهو لا يتجاوز 35500 فردا ويقف على الحياد، لا يتدخل في سير الحياة السياسية، وفي التاريخ التونسي بعد الاستقلال اتجهت نحو إلغاء الملكية وأعلن النظام الجمهوري في 1957، وأعقب ذلك صدور دستور جديد يعترف بحرية الرأي والتعبير والصحافة والنشر واهتمت تونس بتطبيق العلمانية في نظمها الإدارية وفي نظامها العام، وتأثرت بالغرب وألغت القوانين السابقة. ويرجع هذا التغيير إلى الحبيب بورقيبة الذي تولى رئاسة الجمهورية حتى عام 1987م، وخلفه في الحكم الرئيس زين العابدين بن علي الذي كان اول متغير في الربيع العربي حيث كان مسار التحول الديموقراطي في تونس حين قرر بوعزيزي التونسي الذي قرر حرق نفسه احتجاجا على مصادرة السلطات التونسية عربة كان يبيع عليها الخضار والفاكهة، فانفجرت شرارة الربيع العربي من تونس عقب هذه الحادثة، ووصلت إلى مصر وليبيا وسوريا في ما بعد.
تونس حققت إنتصاراً كبيراً في الديموقراطية، حيث نجح التونسيون في صياغة دستور قد يصبح الأفضل في المنطقة العربية، خاصة أنه يحترم التوجه الليبرالي وكذلك الديني ويكفل حقوق المرأة، وبه قدر كبير من التوازن والتوافق حيث حملت جماعة النهضة التونسية ملئ الفراغ برؤية وحرص والتفاهم ومزج الطيف السياسي بتوجهاته الليبرالية والدينية والمحافظة.
المخاض عسير في مصر وهي التي ما زالت تراوح مكانها في تحقيق حالة توافقية على دستور اعاد التصويت عليه بالنسب المعلنة ما يذكر بالديكتاتوريات العربية التي وصلت النسب في انتخابها نحو 98،99 بالمئة وهناك اسئلة ما تزال حائرة حتى بين شفاه من قاموا بثورتهم على بساطة.
امالهم في مرحلة ما تزال مفتوحة وان كان ذات المخاض عسيرا في تونس الا انه ربما بمؤشر المراقب يبدو انه حوار متوازن متمدن يبشر بانفراج المرحلة القادمة وكأن الربيع العربي الذي بدأ في تونس انكسر في مصر.