سيتعبون ..ومن ثم سيرحلون
جاؤوا من بلدانهم الأصلية إلى فلسطين للإستثمار في حياة أفضل ،وأن يكونوا أ كثر أمنا وأمانا ،وهربا من الكراهية التي كانوا يعانون منها في الغرب بشكل خاص، وكما هو معروف فإن المصلح الأمريكي مارتن لوثر كينغ هو من خفف عنهم ،وأعاد لهم الإعتبار ،وقال مخاطبا الجميع في أمريكا والغرب عموما ،أن يهود هم أهل السيد المسيح، ووجب إحترامهم وتغيير النظرة لهم، وهذا ما حصل فعلا ،إذ تغيرت النظرة لليهود وأصبحوا مقبولين في الغرب على مضض ،بناء على نصيحة المصلح كينغ سامحه الله.
أما العرب اليهود الذين هجروا بالغدر والحيلة من البلدان العربية ،فقصتهم مختلفة، وقد كانوا محبوبين في بلدانهم ،ومندمجين مع العرب المسلمين والمسيحيين ،وكانوا في غالبيته تجار ذهب وأغنياء وأصحاب أراض ومحال كبيرة ،لكن الصهيونية إتفقت مع بعض الحكام العرب آنذاك ،وفي مقدمتهم الإمام البدر في اليمن، ونوري السعيد في العراق ،والملك فاروق في مصر ،على بيع هؤلاء اليهود إلى الوكالة اليهودية ،وجرى إخراج مسرحية قائمة على الإرهاب والكراهية ،لإقناع هؤلاء اليهود بأن العرب يكرهونهم ،ولذلك وجب عليهم الرحيل ،ليجدوا أنفسهم يهودا من الدرجة العاشرة ،وغالبيتهم يعمل في الأعمال الدونية ،ومن لا يعمل لايأكل في ذلك اليوم، وكم من الدموع ذرفوا لأنهم صدقوا حيلة الوكالة اليهودية وغادروا بلدانهم الأصلية التي كانوا فيها في غاية الإحترام.
معروف أن كل ذلك جرى تحت شعار مضلل مزيف مفاده أن فلسطين أرض بلا شعب ،رغم أن مندوب مؤسس الحركة الصهيونية ثيودور هيرتزل ،كشف الحقيقة مبكرا ،بعيد وعد بلفور أواخر عام 1917،حين أبرق لهيرتزل أن "العروس لها عريس؟؟!!".
في حوار ناري مع يهودي عراقي إسمه موشيه أواخر ستينيات القرن المنصرم، إعترف تحت القسم" ورب إسرائيل أننا نعلم أنه لا علاقة لنا بهذه الأرض ،يعني فلسطين، لكننا الآن موجودين فيها ،وإن كان عربك زلام فليخرجونا منها" .
صحيح أن إسرائيل الخزرية باتت بفضل الغرب والحكام العرب المرتبطين بالوكالة اليهودية ،دولة نووية، وهي بمثابة إسبارطة المدججة بالسلاح وبالكراهية للجميع، وتنتصر في أي مواجهة رسمية مع الجيوش العربية، حتى أنها جيرت نتائج حرب تشرين المجيدة عام 1973 لصالحها ،ووقعت مع السادات على معاهدة كامب ديفيد التي قضت بإخراج المحروسة مصر من الصراع العربي الإسرائيلي، الذي تحول لاحقا إلى صراع فلسطيني إسرائيلي، بعد أن كشر البعض عن أسنانه وتفرغ لحروب داخلية ،في حين ظهر الوجه الحقيقي للبعض الآخر وأعلن رغبته بالتحالف مع إسرائيل ،وسنشهد في الأيام المقبلة تطورات دراماتيكية مهمة ،في مقدمتها إعتراف الحكومة العراقية بإسرائيل ،وقيام وفد من دولة عربية أخرى بزيارات علنية لإسرائيل ،بعد أن عبد رجل الأعمال السعودي الوليد بن طلال الطريق وزار رام الله وعن طريق الجو؟؟!! وحتى اللحظة لا ندري ما هو مسوغ هذه الزيارة،وما السبب الرئيسي لها؟
رغم ما قلناه عن المواجهات الرسمية التي تنتهي عادة بإحتلال "تسليم" أراض عربية لإسرائيل، فإن هذه ال"إسرائيل" تنفجر باكية منتحبة عند حصول أي مواجهة مع تنظيمات خارج نطاق الدولة، والملف يعج بالأحداث التي تثبت هذا القول وفي مقدمتها معركة الكرامة ربيع 1968 ،التي خاضها الجيش الأردني مع حركة فتح الناشئة آنذاك، وفشل دايان آنذاك في إحتلال الأغوار ،وكذلك طلب الجيش الإسرائيل وقف إطلاق النار مع الفلسطينيين في جنوب لبنان عام 1974،وما كان يحدث إبان فترة الكفاح المسلح، لكن كل ذلك جرى شطبه لتظهر "إسبارطة "على ما هي عليه الآن، ولن ننسى بطبيعة الحال مواجهتهم مع حزب الله صيف العام 2006،رغم ان الحزب مشى على درب الدول العربية ولم نر مواجهات تذكر مع إسرائيل، حيث أن المقاومة هي فعل دائم على الأرض.
أداء جنودهم في المواجهات ،إتسم بالجعير والبكاء والنحيب ،رغم أن الجندي الإسرائيلي عبارة عن ثكنة عسكرية مسلحة ،إضافة إلى ما يتوفر له من إمكانيات ،فالطائرات والمدرعات عبارة عن قلاع محصنة ،أضف إلى ذلك أن الترفيه بند أساسي في برنامج الجندي الإسرائيلي، ومع ذلك فإن أداءه لا يرتقي لوضعه وسلاحه وما يتوفر له من دعم، قياسا بالجندي العربي الذي يحارب جائعا وعاريا وربما بدون حمايات .
ما نلمسه عن قرب وعن بعد معا هو ان مجتمع المستوطنين الإسرائيليين ،مل من اللعبة السخيفة التي عيشته فيها حكوماته المتعاقبة ،ولم يعد يقتنع أن قوة إسرائيل هي السبب في إنتصاراتها ،بل بات يفكر علانية أن ضعف العرب هو من أوصل إسرائيل إلى ما هي عليه الآن ،ولذلك فإنه لم يعد راض عن حياته الجديدة في "إسبارطة " ،التي لم تعد ترى أو تسمع إلا نفسها، خاصة بعد ردة الفعل الغربية المتمثلة بالمقاطعة ومحاكمة بعض الرموز الرسميين الإسرائيليين، وكما هو معروف فقد وصل الأمر إلى محاكمة شارون لولا التدخل الأمريكي لبلجيكا وتهديد بوش الصغير لرئيس وزرائها عام 2001 بأنه سوف يلغي بلجيكا عن الخارطة الأوروبية ،إن إستمرت محاكمة شارون والجنرال الأمريكي فوكس على جرائمه في العراق. كما أن إسرائيل هددت بإفلاس بلجيكا من خلال سحب مصانع الألماس الإسرائيلية منها ،وإجبار الناتو على سحب مقاره من بلجيكا.
ردود أفعال المستوطنين الإسرائيليين تتزايد وتتنوع ،فقد رشق شبان مستعمرات الأغوار ،شارون بقناني البيبسي الفارغة عام 1982 ،ورفضوا الإنخراط في الجيش ،إبان غزوه لجنوب لبنان وحصاره لبيروت ،ومن ثم إحتلاله لها على مرآى ومسمع أصحاب الشعارات القومجية ، التي خدروا بها شعوبهم والأمة جمعاء، كما أننا رأينا مجموعة :"نساء متشحات بالسواد" ،يرفضن النهج الإسبارطي في إسرائيل الخزرية، ومؤخرا أعلن اليهود " الحريديم" رفضهم للإنخراط في الجيش الإسرائيلي، تبع ذلك موقف آخر للشباب الإسرائيلي لسياسة نتنياهو الإسبارطية ،وزد على ذلك، رغبة غالبية المستوطنين بالهجرة المعاكسة ،وهذا ما يفسر حرصهم على الإحتفاظ بجنسياتهم السابقة وتجديد جوازات سفرهم الأصلية.
هم يعلمون مقتلهم في فلسطين، وهي نقطة تجمهم، بحسب ما ورد في التوراة ،وهذا ما يجعل المتدينين منهم يعقدون حلقات البكاء والنحيب ،عند مجيء أي مستوطن مضلل ،وعندما كنا نسألهم لماذا يفعلون ذلك وهم المنتصرون دوما على الدول العربية؟ كانت الإجابة جاهزة: "تقول التوراة أن مقتلنا في فلسطين وهي نقطة تجمعنا ،ولذلك نشعر بالهلع عند قدوم أي يهودي من الخارج ،لأن ذلك يعجل في نهايتنا".
سيتعبون من وضعهم الحالي ومن ثم سيرحلون بمحض إرادتهم ،ولكن ،ولتحقيق الهدف ،مطلوب منا نحن العرب، تفعيل انفسنا وقدراتنا والإنسحاب من تحالفاتنا مع إسرائيل الخزرية.