jo24_banner
jo24_banner

سهل حوران ما عاد ينتج قمحا

أسعد العزوني
جو 24 : ما عاد سهل حوران الذي يعد الحزام الأخضر اليانع في بلاد الشام ،ذو القمم الثلجية البيضاء الدائمة في الشتاء ، ينتج قمحا، من الدرجة الأولى ،ويصدره إلى إمبراطورية روما العظيمة ،لتصنع منه أجود أنواع المعكرونة ،وتقدمها للنخبة في أرقى مطاعمها، ولا يغيبن عن البال أن روما كانت تعتبر سهل حوران مخزن تموين لها.
سهل حوران ومساحته 13 ألف كم مربعا ،ويمتد من دمشق إلى تخوم جبال عجلون في الأردن، كان شديد الخصوبة، وقامت عليه حضارات سادت ثم بادت، مثل الرفائيون العمالقة الجبابرة2500 ق.م.، والآموريون الكنعانيون ،والإيطوريون الذين ينتمون إلى إيطور بن إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام، والحوريون الذين قدموا من منطقة القوقاز، إضافة إلى الآشوريين والسلوقيين والأنباط والرومان والغساسنة والقريشيين والرفاعي والزعبي والحريري وآخرين، وقيل فيه الكلام الطيب ،مثل أغنية "ع البال بعدك يا سهل حوران".
كان ذلك الزمن الجميل ،يتسم بالكرامة والعزة والإرادة والإستقلال، ولذلك فإن الحضارات التي سادت عليه، ثم بادت بفعل الحتمية التاريخية ،ما تزال آثارها تدل عليها ،بمعنى أن بصمتها ما تزال نافرة ،ولم لا وقد إتسم إنتاج سهل حوران من القمح بالجودة ،وكان الطعام المفضل لأثرياء روما؟
أما الزائر أو المار في سهل حوران هذه الأيام التي تتسم بكل السوء السياسي والإجتماعي والإقتصادي ،وخاصة من كان لديه خلفية عن واقع المنطقة في ذلك الزمن الوردي الجميل، فإنه يصدم حد الشهقة من الحال التي وصل إليها سهل حوران، فلا قمح ولا ورود أو أزهارا ربيعية زاهية، ولم يعد هناك حضارات قائمة، بل إتسم السهل بواقعنا الحالي.
كما هو معروف فإن واقعنا الحالي ،يتسم بالإنشقاقات الطولية والعرضية والأفقية والعامودية، لذلك فإن سهل حوران هذه الأيام عبارة عن أرض بور ،أصبح موطنا للأشواك، وللجفاف ،وما أصعب أن ترى أرضا كانت على مر التاريخ زاهية ،وقد تحولت إلى أرض جدباء بور ،تهرب منها الفراشات والنحل ،وتخلو من أي أثر من آثار الحياة.
ما يراه الزائر هذه الأيام في سهل حوران ،يبعث الأسى في النفوس ،فهو كما قلت عبارة عن أرض بور جدباء، وقد جرى تقسيمه حصصا صغيرة، وترى فيه بعض المربعات وقد زرعت بأشجار الزيتون ،ناهيك عن وجود حظائر مسفلته لمبيت الشاحنات، ومربعات اخرى للسكن والمصانع الملوثة للبيئة.
التحول الذي إجتاحنا منذ بدايات القرن المنصرم ،ونشوء الدولة القطرية "بضم القاف"، لم ينحصر في سهل حوران ،بل إجتاح نفوسنا ،لذلك نشعر بالجفاف الداخلي في نفوسنا ،ونزع البكرة من اعمالنا ، وإنعدام الرحمة فيما بيننا، وتحولت العزة والكرامة إلى ذل ومهانة، كما تحول الإستقلال والإرادة إلى خنوع للأجنبي وتسليم له ،حتى أن هناك من يدفع للأجنبي أجرة إذلاله لنا، وهذا ما يفسر الحال المايل للعرب والمسلمين .
اليوم يفتقد العرب والمسلمون ،النخوة والكرامة والعزة، ولم تعد "وامعتصماه" في أذهاننا ،وهذا ما يفسر صراخ حرائر العرب في فلسطين والعراق وسوريا ومصر ،ولا من مجيب ،مع أن الخليفة المعتصم ،حرك جيشا عرمريا إلى عمورية ،بعد خبر نقله له أحد التجار العراقيين القادم من عمورية الرومية وقال له أنه رأى علجا روميا يعتدي على إمرأة مسلمة ،وتستغيث بالمعتصم.
ذهبت ريح العرب، ولم يعد لهم وجود في هذا العالم ،وسيتم تقسيم بلدانهم إربا إربا، وسيهدم الأقصى وسيعترفون بإسرائيل دولة يهودية، فنحن نعيش وضعا يضاهي وضع سهل حوران الذي إفتقد الزهو والعزة والكرامة والإخضرار .
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير