العرب أذهبوا ريحهم
بالنظر إلى كافة جوانب المشهد العربي ،يتبين لنا أن العرب ذهبت ريحهم ،وهم الذين أذهبوا ريحهم بأنفسهم، للعديد من الأسباب ،بعضها يقال ،والبعض الآخر يستحى منه لأن الحقيقة مرة، ومن الأسباب التي تقال ،أن العرب لا يحسنون إنجاز علاقات لصالحهم مع الآخر، فهم يصادقون عدوهم ،ويعادون صديقهم، وما يمكن أن يقال أيضا أن العرب يخشون العرب .
أفضل تعبير يمكن وصف العرب به هو أنهم الأغنياء الفقراء ،والأقوياء الضعفاء، ذلك أنهم لم يستغلوا ثرواتهم، ولم يحسنوا التعامل مع قوتهم وتوظيفها لصالحهم، وهذا ما أذهب ريحهم.
هناك تفسير واحد إلتصق بالعرب، وهو أنهم أعداء الوحدة ،مع أن الوحدة هي الفرج بالنسبة لهم، وهم أصحاب مرض الخلافات ،ولديهم القدرة الفائقة على صنع الخلافات فيما بينهم، وتفسير ذلك أنهم قاصرون عن الحوار ،وهم أعداؤه ،كما أنهم جاهزون لإلتقاط أي إشارة خارجية لصنع خلافات داخلية ،يكون ثمنها خسارات مادية ومعنوية كبيرة ،ومكسب أكبر لمن أوعز بصنع الخلاف .
العرب مع الأسف الشديد ،أشداء على بعضهم ،لكنهم رحماء مع أعدائهم ،وجاهزون لتقديم كل ما يلزم لنيل رضا الأعداء، بدليل أن القدس ما تزال محتلة وهي طور التهويد والأقصى قاب قوسين أو أدنى من الإنهيار، بينما يشنون حربا شعواء على بعضهم ولأتفه الأسباب، ولنا في السادات مثالان عندما أمر الجيش المصري بمهاجمة ليبيا ل"تأديب الواد المجنون القذافي"، وكذلك الهجوم على منطقة حلايب بالسودان ،وهو الذي سلخ المحروسة مصر عن أمتها ورهنها لأمريكا وإسرائيل ،ووقع معاهدة كامب ديفيد.
ملف الخلافات العربية –العربية أكبر من تقليبه في مقال كهذا ،لكننا لا ننسى قيام الدول العربية الكبيرة ب"غزو "الدول الصغيرة ،لأسباب تخلو من المنطق، وأسبابها مرض نفسي لا علاج له ،جرثومته سيطرة الأخ الكبر أو الأخت الكبرى وما نزال نعاني منه ،والسبب هو لفت نظر الأعداء المتحكمين لمنح الدولة المعتدية دورا أكبر في الإقليم.
من الأمراض المستعصية عند العرب والتي أوصلتهم إلى ما هم عليه ،هو أنهم كشعرائهم يقولون ما لا يفعلون ،ويشبعون عدوهم شتما ،لكنهم يدعونه بالفوز بكل إبلهم وما تحمل من غال ونفيس، كما أنهم مع أي مستعمر يهيمون حبا به ،ويمعنون في الرضوخ إليه، وينفذون طلباته بالسرعة الممكنة وبالمجان .
لو أمعنا النظر في الواقع العربي ،لوجدنا أن خير العرب وثرواتهم ليس لهم، فالبطالة تنخر عظام الشباب العربي ،فيما نرى الأموال العربية تنهب في الغرب، وقيل أن العرب خسروا أربعة تريليونات دولار أمريكي، جراء الأزمة المالية العالمية الأخيرة ،ولم يجرؤ أحد من الزعماء العرب على المطالبة بها ،سوى القذافي الذي تبخر بسبب قيامه بالمطالبة بأمواله ،وفقد قيل له أنها ضاعت في الأزمة .
ولا ننسى أن البلاد العربية الخليجية الغنية تشرع أبوابها للعمالة الأجنبية ،فيما ينظر إلى العمالة العربية على أنها ،مرض معد يفضل الإبتعاد عنه ،علما بأن خطر العمالة الأجنبية لا حدود له ويمس حتى العقيدة ،وتخيلوا لو أن بوش الصغير المجنون نجح في دعوته ،وجرى إقرار قرار يسمح للعمالة الأجنبية في دول الخليج العربية بالترشيح والإنتخاب، فكيف ستكون النتيجة ؟
العرب وحسب ما هو مثبت ضليعون بالمؤامرات ،وهم ماهرون في حياكة المؤامرات ضد بعضهم البعض ،وقد أضاعوا العراق وها هي مصر تضيع بسبب الإهمال العربي لها منذ أيام الزعيم الخالد جمال عبد الناصر ،حيث ناصبه البعض العداء إستجابة للتوجيهات الأمريكية والإسرائيلية.
هذه الخاصية ليست جديدة عليهم ،فهم ما يزالون يعيشون حالة "عرب فرس وعرب روم"، ،إضافة إلى حالة ملوك الطوائف ،إذ كان الملك يتحالف ويدفع للروم أو الفرس كي يقوموا بغزو مملكة أخيه، وها هم اليوم يتخلون عن الفلسطينيين والقدس والأقصى ويتحالفون علانية مع إسرائيل .
العرب ،عبارة عن حرب باردة لا تنقطع ولا تتوقف، ونرى أن الشعوب العربية تتوارث العداوات من حكامها ،مع أننا في الأصل إخوة، ولكن هناك من يعمل على بث الأحقاد والسموم حتى داخل مزرعته ليضمن السيطرة ،وتطبيقا للمقولة الإنجليزية :فرق تسد.
من الصفات الأخرى التي يبرع العرب في تقمصها :الفرنجي برنجي ،أي أن الأعداء أفضل من الإخوة والأصدقاء ،ولنا أن نتصور الكرم الحاتمي العربي عندما يزور مسؤول أجنبي وخاصة من أمريكا أو بريطانيا ،حيث يعود أو تعود ،محملين بالهدايا والأعطيات.
ما يمكن قوله في هذا المجال هو أن العرب يشهدون تراجعا قيميا حد الإنحدار، فهم قد تخلوا عن إغاثة الملهوف ،وقد صموا آذانهم عن نداءات الشعب الفلسطيني، وقد منعت مصر السيسي الناشطين الأجانب من زيارة غزة المحاصرة منذ ثماني سنوات، تماما كما كان يفعل نظام المخلوع اللامبارك.
نحن في الأردن على سبيل المثال ،إنتهينا من إنجاز نهضتنا ،وعالجنا مشاكلنا ،وأقررنا القوانين والتشريعات الناظمة لحياتنا ،ولم يعد لدينا شباب عاطلون عن العمل ،لكثرة المصانع التي شيدناها في الصحراء الواسعة، وتفرغنا لسجال :من هو الأردني؟