jo24_banner
jo24_banner

انقذوا المفرق.. عهد الخلافة الراشدة انتهى وانقضى

محمد داودية
جو 24 :

كانت المفرق المدينة الثانية بعد عمان، ابرز ملامحها الحيوية و التفاعل والمشاركة والانفتاح ابرز صفاتها. كانت الحياة الاجتماعية فيها مشبعة بالألفة و الثقافة و التنوع، فليس يليق بمدينة على مفرق طرق العرب ان لا تكون عروبية في سياق شعبنا السياسي و الثقافي وأن لا تكون منفتحة على التيارات السياسية و الثقافية.

من خليط جميل من الناس تشكلت لوحة المفرق الباذخة في تنوعها ، فقد تمازج في المفرق و تصاهر و تعايش و انصهر: بنو حسن مع الفلاحين مع البدو مع الشوام مع المسيحيين مع المهجرين الفلسطينيين مع المعانية مع بني صخر مع الليبيين مع المغاربة مع الشركس مع الدروز.

كانت تصب في مجرى المفرق الهائل الرحب و تغذيه بالعابرين و المستقرين: قاعدة المفرق الجوية البريطانية و شركة بترول العراق (آي بي سي) و معسكرات القوات المسلحة و قوات البادية كانت احزاب العالم كلها في المفرق: الحزب الشيوعي و حزب البعث العربي الاشتراكي و حزب التحرير وجماعة الاخوان المسلمين و القوميون الناصريون و كنا صغارا نسمع عن معتقل الجفر الصحراوي الرهيب فنظنه في جهنم و كان المعتقلون السياسيون ايقونات لدى كل الناس الحزبيين وغير الحزبيين.

كانت القاعدة الجوية البريطانية متصلة مع اهالي المدينة ومتفاعلة معهم في مختلف المجالات: الرياضة و العروض الجوية و السينما و المقاهي ، وكان ابرز لاعبي كرة القدم الانجليز في القاعدة الجوية البريطانية (جفري و لفزي وستيف وبوب) ضيوفا دائمين على منازل اهل المفرق الذين عرفوهم في نزالات كرة القدم الاسبوعية مع لاعبي نادي الصحراء المرعبين: سبع جدوع و فايز عودة والاخوين فيليب وحبيب والتكروري وشوقي سليم والاخوين مشري وعبد الحليم الخوالدة. وكان التفوق باستمرار لفريق نادي الصحراء الرهيب.

مر معظم سياسيي ومثقفي الاردن على المفرق في تفاعل لم ينقطع مع مثقفيها امثال المرحوم فايز محمود و فخري قعوار والمرحوم محمد سكر والمرحوم الشاعر ابو غالب حسونة ومحمود كساب وعيسى بطارسة وسرحان النمري وسمير نواف الدخيل وموسى فريح السهاونة والشهيد النمر ميشيل النمري.

كنا نتداول مقالات فؤاد زكريا واحمد بهاء الدين في مجلة الطليعة وسهيل ادريس في مجلة الاداب و هيكل في اهرام الجمعة واحسان عبد القدوس في " روزا" و ملحق الانوارالاسبوعي لمتابعة مقالة فارس فارس (غسان كنفاني) ومنشورات دار التقدم ومسرحيات بريخت وروايات مكسيم غوركي و نجيب محفوظ وقصائد لوركا وايلوار ونيرودا وناظم حكمت وسيرة تشي غيفارا وكاسترو ومؤلف لينين "ما العمل" و"ميثاق" عبد الناصر ومؤلفات عفلق وحسين مروة و قسطنطين زريق.

لم يكن تصنيف الناس يتم على اية اسس جهوية او دينية او عرقية بل كان التصنيف وفق الانتماءات السياسية. وكانت فتيات المفرق على اعلى درجات الوعي السياسي والمشاركة على قدم وساق في النشاطات الثقافية. واتذكر ان طالبات الثانوية العامة وجهن لنا رسالة يدفعننا الى الخروج في المظاهرات، ولن انسى ما حييت قولهن الصاعق المؤثر لنا:

" اخواننا النشامى، غدا في ميادين القتال والتحرير منكم الجرحى ومنا الممرضات" !!
عشت في المفرق في الفترة من 1954-1978 ويوم الاثنين 7/4/2014 التقيت نخبة من مثقفي المفرق بدعوة كريمة من منتدى المفرق الثقافي ومقهى الياطر فتحدثنا عن اسباب تعثر الاصلاح السياسي و تراجعه في بلادنا و شدني علاوة على الأسئلة التي لا مراوغة فيها ولا فرصة – و لا ضرورة- للمراوغة في الرد عليها، ذلك الوعى الحارق والاصرار على المشاركة والجسارة ووضوح الرؤية وادانة التستر على الاعطاب الجسيمة التي تنوش نظامنا السياسي. و قلت ان عهد الخلافة الراشدة قد انتهى وانقضى وان الانظمة كلها بما فيها نظامنا السياسي تقارف الاخطاء و الخطايا وان تقويمها واجب كل مواطن وان عهد النقد والنواح والتأسف قد انقضى.

تئن المفرق و محافظتها و تترنح تحت ضغط المأساة السورية واعبائها، فقد وصل عدد السوريين داخل قصبة المفرق 44405 وداخل المحافظة 76334 من مجمل السوريين في الاردن البالغ عددهم 1.365.314 سوري بين لاجيء و نازح يحمل منهم بطاقة لاجيء نحو 620000 فقط (الارقام حتى يوم 3/4/2014).

لقد سحقت المفرق تماما واستولى العمال السوريون على وظائفها الشحيحة واصبحت شوارعها كراجا كبيرا للسيارات وغطى شوارع المفرق ركام هائل من النفايات واترعت مدارسها ومراكزها الصحية بما يفوق طاقتها عدة مرات و الواضح ان الازمة تتعاظم و تتفاقم و يشتد كرب المفرق و بلاؤها العظيم.

تابعو الأردن 24 على google news