jo24_banner
jo24_banner

انتخابات الصحافيين

محمد داودية
جو 24 : مرت اثنتان و عشرون سنة على انتخابات نقابة الصحافيين الاردنيين التي ترشحت فيها لموقع نقيب الصحافيين و تنافس معي عليه ثلاثة صحافيين هم: المرحومان احمد علاوي و بدر عبد الحق و سليمان القضاة، و كان ذلك في شهر آب سنة 1992.

قبل الانتخابات بايام صعدت الروائح: المخابرات توعز بالتصويت في اتجاه محدد و تصمني بأنني ماسوني تارة و بأنني "عميل لمنظمة التحرير" تارة اخرى!!

أذهلني هذا التدخل الفظ، فانا بعلم "الدائرة" اليقيني، لست حزبيا و لست منظمة تحرير و لست ماسونيا فقد كنت فقط صحافيا اكرس كتاباتي للشؤون المحلية و ضد الفساد و الفاسدين.

*******

قال لي اعز شيوخ الصحافيين على قلبي، المعلم طارق مصاروة، الابن الروحي للشهيد وصفي التل الذي يعلن: محمد داودية ابني الروحي، و كان رئيس تحرير صحيفة "صوت الشعب" قبل تلك الانتخابات بنحو 10 سنوات:

اسمع يا حبيبي يا محمد، عليك ضغوط تهد الجبل!

قلت: لا المس شيئا منها.

قال: هل تعلم ان من يحميك هم ضباط المخابرات؟

ضحكت و قلت: و لكنني ممنوع من السفر لمدة 15 عاما و قد فصلت من عملي في صحيفة "الاخبار" ببلاغ لمالك الصحيفة فؤاد النمري عام 1979من قبل وزير الاعلام عدنان ابو عودة و مدير المطبوعات احمد العتوم. و لمنعي من الكتابة قصة طريفة:

ابلغني فؤاد النمري ان العتوم ابلغه منعي من الكتابة و كنت حينها اكتب مقالة يومية في " الاخبار" في زاوية "عرض حال" وقال لي النمري و لا يهمك، اكتب باسم مستعار!!

قلت له ان الصحيفة "مضبوطة من الباب للمحراب " و انه من المستحيل الكتابة باسم مستعار علاوة على ان اسلوبي واضح و معروف، فقال لي لا عليك، في ايماءة ظننت ان النمري يقصد منها انه حصل على موافقة للكتابة على ذلك النحو.

كتبت مقالة اختار لها النمري اسم "أبو عواد" و في صبيحة يوم نشر المقالة اتصل بي مدير المطبوعات احمد العتوم قائلا: صباح الخير ابو عواد.

تم تحذير النمري الذي ناداني قائلا: استريح لك كم يوم من الكتابة.

قال لي طارق مصاروة: ضباط الدائرة و خاصة في شؤون الاردن مرتاحون لمقالاتك التي تكشف مواطن الخلل و تؤشر عليه.

*******

ما ان بلغني عمل "الدائرة" ضدي حتى اتصلت بليلى شرف طالبا منها ابلاغ الشريف زيد بن شاكر (الامير المرحوم) بذلك لوضع حد لهذا التدخل الذي لا مبرر من اي نوع له.

ليلى شرف ابلغت مازن الساكت و سمير حباشنة بانها اتصلت و ان الجواب هو ان الدائرة لا تتدخل فقلت: و ماذا عن الصحافيين الذين ابلغوهم ب " التوجه" و همسوا لي !!؟

جرت الجولة الثانية بيني و بين سليمان القضاة فحصل القضاة على 69 صوتا و حصلت على 66 صوتا !! بفارق شخص و نصف، فلو ان صحافيين اثنيين انتخباني بدلا من انتخاب القضاة لكانت النتيجة لصالحي بواقع 68 الى 67.

رغم "التوجيهات" و الاشاعات و الاعطيات تمت هزيمتي بفارق ضئيل.

*******

غمرتني المرارة، فانا من النوع الذي يعطي حقا و يأخذ حقا، و لو كنت معاديا للنظام السياسي لقلت " الشباب" معهم حق فهم يدافعون عن نظامهم و بلدهم ضد عميل او حاقد او مرتزق هو محمد داودية الذي يشكل خطرا على النظام.

جرت الانتخابات يوم جمعة و في اليوم التالي دعا الاخ محمد القيسي – ابو قيس الصحافيين الى حفل غداء في مزرعته في "أبو السوس" فحضر العشرات من الزملاء و الاصدقاء. كان الغضب عارما و كان الصحافيون الحاضرون ساخطين، يهدرون و يلعنون و يعربون عن احتقارهم و يحسون بالاهانة، فقد صودرت ارادتهم و تم املاء ارادة شخص عليهم، قرر لسبب شخصي- غلّفه كالعادة، بمقتضيات المصلحة العامة و ربما دواعي "الامن القومي"-.

قبل ان نتناول طعام الغداء همس لي ابو قيس: الديوان الملكي طالبينك، اتصال هاتفي من الديوان الملكي لك. كان الاتصال من رئيس الديوان الملكي خالد الكركي، اشرف رجال الاردن، الشريف فعلا لا اسما.

اعتذرت من الاخوان المدعوين الذين قلت لهم انني مضطر للمغادرة و انني اعتذر عن الاستمرار لسبب طاريء، و خشية ان ينزعجوا اضفت: ليس سببا حزينا او سيئا.

قال لي خالد الكركي: سيدنا بده اياك، تعال فورا.

لم اكن اعرف سبب الاستدعاء، لكنني اعرف ان في بلدنا آليات تصويب و انصاف لا تترك الظلم يستمر طويلا و لا تترك مرارة في حلوق المفترى عليهم.

استقبلني الملك المهيب في مكتبه بالديوان الملكي بعناق باذخ الود و بابتسامته الساحرة الخاصة التي تفيض محبة قائلا بصوته الرخيم الذي يعشقه الاردنيون:

اهلين محمد، بدي اتعبك معي، الديوان ديوانك.

تحدث سيدنا عن الاعلام وعن المرحلة بعناوين مليئة بالرؤى و قال:
كمّل انت و خالد.

قادني رجل التشريفات الى غرفة فسيحة و جلست ارشف القهوة السادة و انا لا اعلم ما الذي يدور.

دخل خالد و البشر يملأ وجهه: محمد، سيدنا امر بتعيينك مديرا للاعلام و العلاقات العامة في الديوان الملكي.

وصلني حقي، كانت تلك اول خاطرة داهمتني. هذا هو ملكي، ملك الانصاف و التصويب، رد لي اعتباري و كرامتي، انتصف لي و لمعشر الصحافيين الذين خاضوا معركة انتخابية كانوا خلالها الاقرب الى الامساك بنقابتهم و لم تثن الكثيرين منهم " التوجهات" و التوجيهات و التهديدات و الاغراءات. انتصر لنا من الحساسيات الصغيرة و الكيد.

ما كان الانصاف ليتم، و رد الاعتبار و الكرامة ليقع، لولا ان خالد الكركي حول الملك يقدم له النصيحة الامينة الشجاعة و المعلومات الصافية التي لا تحشى و لا تسكب كالرصاص المصبوب في افواه البطانة و الحاشية المنزوعة الرجولة و الامانة.

صفنت مشدوها لبرهة، امس الجمعة كنت ضد النظام و تم العمل المضني ضدي كي لا افوز نقيبا للصحافيين و تم تلطيخ سمعتي بوصفي ماسونيا و عميلا لمنظمة التحرير قبيضا منها، و اليوم السبت، انا في ظلال الملك يحضنني كاحد ابنائه و في ديوانه الملكي الهاشمي موظفا رئيسا و واحدا من كبار حاشيته.

ما أكبر الحسين.

*******

بعد عشرين عاما "هزمت" في الانتخابات النيابية بفارق مجهري لا يرى بالعين المجردة، 80 صوتا من مليون صوت، كان الفارق، مرة اخرى: ضئيلا !!! رغم انني لست حزبيا و لست فاسدا و لست ماسونيا و لست قبيضا من منظمة تحرير و لست موسادا و لست سي اي ايه و لست نصرة و لست داعش و لست اخوان.

المرارة ، مجددا، تملأ حلقي على الظلم الذي الحقوه بي و على الاهانة التي وجهوها لي ووجهوها الى الشباب المتحمس اعضاء القائمة44 و لذويهم و مناصريهم و ايضا الاهانة التي وجهوها الى ال 14000 ناخب الذين صوتوا لي رغم انني لم اعلق يافطة واحدة في عمان!! ناخبون محترمون صدقوا مثلي نزاهة الانتخابات و انطلت عليهم الاكذوبة فاجهدوا انفسهم و انتخبوا قائمتنا.

إنها مرارة من حقي ان احتفظ بها علامة على ان "غرام النظام" و ان كان من طرف واحد، فانه لن يجعل مني حاقدا على بلدي و لا على نظامه السياسي.

قال الامام علي كرّم الله وجهه:
استغنِ عمن شئت تكن نظيره و أحتج إلى من شئت تكن أسيره وأحسن إلى من شئت تكن أميره. .

_________________________________

(*) تجري انتخابات نقابة الصحافيين يوم الجمعة القادم 25 / 4 / 2014
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير