طُلّابنا والإجازة التّعسّفيّة...!
بدأ فعليّاً ما يُسمّى بالعطلة الصّيفيّة والتي تُطلق عليها وزارة التّربية والتّعليم مصطلح (إجازة صيفيّة) من باب بياض الوجه الزّائف والتّلطّف اللفظي، ونست فضاضة لسانها وغلظة قلبها حين أرسلتهم عمليّاً إلى الفراغ القاتل ولسان حالها يقول: (عليكم أن تُشغلوا هذا الفراغ بشتّى الطّرق فلا عليكم ضرر ولا ضرار لو بررتْ الغاية عندكم أيّ وسيلة)!
ينحدر طلّابنا من ثلاث طبقاتٍ اجتماعيّة متفاوتة، وأوّلها الطّلاب من أبناء أثرياء الأردن الذين تنطبق عليهم بالفعل لفظة إجازة لا عطله...؛ فهؤلاء يقضي منهم جزءاً من إجازته خارج الأردن للسياحة وتعلّم أكثر من لغة أجنبيّة...، ومنهم من يقضيها على السّواحل الجنوبيّة – العقبة – أو تخييم في جبال رم وعجلون وغيرها، وما سيتبقى أو بقي من العطلة سيضيّعونها (جروبات) هنا وهناك...(وهيك البلد كلّها ما يشوفوها) إلّا (مصافحه) في حال اِضْطُرُّوا (لشوفتها)، وبعد أن تنقضي عدّتهم الدّراسيّة؛ فإنّهم سيكونون جاهزين للتكريم نظراً لندرة شخصيّاتهم وعقولهم المصقولة بماء الذّهب... وعلى نفسيتهم العالية البريئة التي لم تتلوّث بأوحال الحياة الأردنيّة وصعوباتها فيأتوننا (كرت أبيض) ليحكموننا فيصولون بنا ويجولون...! (فريق الحاكمين والأسياد)
وفي حال بقي لدينا طبقة وسطى، فإنّ طلّابها كفئة ثانية؛ يتعاملون مع الإجازة كفرصة جيّدة للعمل حتّى لو كانت في ظلّ ظروفٍ عملٍ قاسية قد تستمرّ أحياناً إلى ساعاتٍ طويلة سعياً منهم في توفير مصروفات العام الدراسي الجديد أو مساعدة الأهل... .(فريق شبه المحكومين)
أمّا الفئة الثالثة والأخيرة، فهي الأشد فقراً من الطلاب وتسكن في أقصي أطراف الجنوب والشمال والشّرق..ولا يتوافر أمامها فرصا للعمل يمكن أن تستوعب طاقاتهم.(فريق المحكومين)
ولأنّ مرحلة الشّباب غالباً ما تتسم بالحيويّة والحماس وحبّ الحياة والبحث عن الذّات وممارسة إثباته، والأمل المفعم في المستقبل...، وهي المرحلة التي تحوز على النّصيب الأكبر من عدد السّكان، لذا يجب علينا عند الحديثِ عنها أن نكون منتبهين ومهتمّين لحساسيّتها وخطورتها على جميع مناحي حياتنا والحفاظ على صحّة أردنّنا شابّاً يافعاً... .
نعم...، إنّك تحسّ وتشعر بتلك الخطورة عندما تمرّ وبخاصة في فصل الصّيف بشوارعنا (عمان، الزّرقاء، اربد، المفرق...الخ) وترى كيف يتسكّع شبابنا في الطّرقات وعلى الأرصفة والمجمّعات، ويمارسون في قتل الوقت والفراغ معاكسة الفتيات المحصنات الغافلات وغير الغافلات، والتّحرش بهنّ بنظام (الطّايح رايح)، عدا عن قيامهم في بثٍّ حيٍّ ومباشرٍ بإدارة حواراتٍ بذيئةٍ ستسمعها كرهاً ولو أعرضت أو لو كان فيك صمم...، وغيرها وغيرها من السّلوكيّات غير السّويّة المكتسبة والمُتعلّمة، والتي إن تحدّثت عنها؛ فإنّك ستتحدّث عنها بحرج لا كما يُقال ولا حرج...!
سينتابني وينتابك الحزن الأكيد، وسيُغلق الدّمع لديّ ولديكَ حبل الوريد ونحن ننظر كيف يضيع شبابنا بسرعةٍ ويضيع بالتّالي معهم الوطن أسرع وأسرع، ولن أبالغ إن قلت وأطلقتَ بأنّهم هم أثمن وأغلى ما تملكه الأردنُّ الآن واليوم وغدا...، وما يزيد الحزن بِلّه وللأسف الشّديد...؛ هو انشغالنا جميعاً عنهم بدءاً من الحكومة وانتهاءً بالمجتمعات المحلّية والتّطوّعيّة في وقتٍ هم بأمس الحاجة إلى من يوجّههم ويأخذ بأيديهم، ويقدّم لهم قدوةً حقيقيّةً تنزع تلك المُصطنعة (بفعل فُعلاء) والتي تجسّدت في دواخلهم واهتماماتهم وميولهم على صورة مصارعٍ أو لاعب كرةٍ أو مُطربٍ أو راقص...، ولتحلّ مكانها وتتجسّد فيهم بديلاً عنها صورة العالم والطّبيب والأديب والمفكّر والسّياسيّ والنّابغة والفيلسوف... !
ولكي لا يكون هناك سقوطاً (مقصود أم غير مقصود) لهؤلاء الشّباب من دوائر الاهتمام...؛ علينا توجيههم وإرشادهم ومساعدتهم والانتقال بهم من توجيه الذّات إلى تحقيقه، وثمّ نشرهم في ثنايا أردنّنا وهم يتمتّعون بدرجةٍ عاليةٍ من الصّحة النّفسيّة والجسميّة... .
أمّا كيفيّة الاهتمام بهم والاستفادة من طاقاتهم وأوقاتهم المعطّلة أثناء (إجازتهم التّعسفيّة) هذه؛ فإنّني:
أوّلاً: أُناشد مؤسساتنا العسكريّة بأن تقوم بتطبيق برامج تثقيفيّة وتربويّة تعليميّة وترفيهيّة كلٍ في منطقته، وذلك من خلال معسكراتٍ أو برامج يوميّة متنوّعة يقضي فيها الطّلبة ساعات محدّدة على أن يكون عليها مراقبة شديدة لكي لا تتحوّل أخيراً إلى أبناء الضّباط الكبار فقط وأصدقائهم ومعارفهم وأنسبائهم كما في معظمها وكما كنت أعرف وأرى، فتصبح حصراً على غير مستحقّيها (القضيّة تحتاج لضمير أكثر بياضاً) فالكلّ أردنيّ وابن وطنٍ وجيش واحد...، (صحيح...، مالمانع من إخضاعهم في الصّيف للنّظام العسكري الجزئي كنوع من أنواع خدمة الوطن والعلم، وبالتّالي تعريفهم على الواقع ماذا يعني الإنجاز واحترام الذّات وتحمّل المسئوليّة)؟
ثانياً: أناشد أصحاب الأموال والأعمال وبخاصة الذين (لقمتهم حلال) وكافحوا وناضلوا بعد فقرٍ قاتلوه فعرفوه، وعلموا أثر المال والثّروة في المجتمع الفقير، ودوره الاجتماعي...؛ بأن يشغّلوا عدداً من هؤلاء الشّباب أثناء إجازتهم في مؤسساتهم وشركاتهم ومصالحهم المختلفة كلٍ في بيئته أو موقعه، وتوفير الجوانب التّرفيهيّة والتّثقيفيّة في الأوقات الأخرى المتبقية لهم وذلك بالتّنسيق مع الأندية الرّياضيّة والمراكز والجمعيّات والاتفاق معها على السّماح لهؤلاء الطّلّاب بدخولها، وممارسة هواياتهم وألعابهم في أوقات الصّيف مقابل أجرٍ يسير مثلاً أو رمزي... .
ثالثاً: أناشد وزارات التّربية والتّعليم والتّعليم العالي والمجلس الأعلى للشّباب والتّنمية الاجتماعيّة وكلّ ذات صلة لطبيعة عمله...؛ بأن يتمّ من قبلهم إتاحة فرص دخول الطّلبة إلى الأندية والمراكز الشّبابيّة مجّاناً، ومنحهم الفرصة بالمشاركة في برامج اجتماعيّة وتثقيفيّة منّظمةٍ وفعليّة وحقيقيّة وبإشراف مدرّبون وذي خبرةٍ عالية وكفاءة علميّة، ويتخلّلها المسابقات والرّحلات والزّيارات المجّانيّة لمواقع الأردن المهمّة والأثريّة... .
وإلى كلّ مشكّكٍ متشائم وما أكثرهم: (طريق الألف ميل تبدأ بخطوة)... !!!