لا حياة لمن تنادي
إذا صحت التوقعات بأنَّ الديوان الملكي سيتدخل في اللحظة الأخيرة لينقذ البلاد من قانون انتخابي يعيدنا إلى الوراء، ورغم إيجابية الخطوة، فما حاجتنا إلى سلطات تنفيذية وتشريعية أدخلتنا "في الحائط " بتعميقها أزمة سياسية، ذات تداعيات اجتماعية، لأنها زادت من حالة الاحتقان الموجودة أصلاً؟
الأساس أن تحمي السلطات التشريعية الإرادة الشعبية، وأن تنفذ السلطة التنفيذية قرارات تخدم المصلحة الوطنية؛ بالطبع ليس هذا من الممكن في ظل مجلس نواب جاء نتيجة قانون يُفصِّل البرلمان على مقاسات الحكومات، لكنه مقاس قابل للتضييق إذا اتضح أن المقاس "كبير" على الحكومة. وبالفعل جرى تضييق المقاس ليناسب الحكومة الحالية التي ضربت المصالح الشعبية عرض الحائط.
فلا يمكن التصديق أن التصويت في مجلسي النواب الأعيان جرى من دون تدخل من النوع الثقيل، لضمان مرور قانون الانتخابات الذي يهدف إلى إحكام نفوذ الأقلية على الأغلبية. بالطبع يجرى توزيع بعض الامتيازات الباقية على من يرضخ وينفذ إرادتها.
للموضوعية، يجب الإقرار أن نفوذ الأقلية يحكم العالم، فالأموال الكبيرة هي المسيطرة على السوق وعلى مفاتيح الاقتصاد، ولذا لم يكن من قبيل المصادفة أن كانت أولى حركات الاحتجاجية في العالم في أمريكا، وقد بدأت بمحاولة احتلال وول ستريت، شارع المال العالمي في نيويورك.
في الأردن، لا اعتقد أنه حتى معظم الفئات الثرية راضية عما يحصل، لأن عدم الاستقرار يهدد مصالحها.
لذا من المفهوم أن تحاول أقلية صغيرة جداً، أن تستأثر بالسيطرة على السلطات التنفيذية والتشريعية، ولكن ليس من المفهوم أن يصل الأمر إلى درجة خداع النفس، على الأقل ليس في مرحلة الحراكات الشعبية العربية والأردنية.
ربما لا يكون الحراك الأردني، رغم شجاعته، قوياً إلى درجة تخيف الحكومات، خاصة بعدما لجأت الحكومات إلى شتى الطرق لإضعافه، لكنه، أي الحراك، يعكس رفضاً شعبياً، أوسع من حجمه بكثير، يشمل شرائح من الطبقة الوسطى وحتى العليا، التي وإن لم تعانِ مثل الفئات الفقيرة من وجع سياسات الإفقار، فهي تخاف على مستقبل مصالحها إذا أدت الاحتقانات إلى الانفجار.
منطقياً، عندما أصل إلى هذا الجزء من المقال، علي أن أقوم بواجبي، كما أراه، بالتحذير من استمرار الوضع على ما هو.
ولكن كما يجيبني عادة القراء، الذين يكتبون باختصار : "لا حياة لمن تنادي."
التحذير لا يعني، أننا كتّاب الأعمدة نفهم أكثر من غيرنا ولكننا يجب ألا نتجاهل غضب الشارع الذي نسمعه، وحتى تململ الصالونات السياسية، التي يؤمها الكثير من الشخصيات المؤيدة للنظام ولكن تجد نفسها خارج حلقة صنع القرار. صحيح أن بعضهم منه يسعى إلى المناصب، وبالتالي من السهل إرضائه، ولكن بعضهم خائف من الغد، أي بكلمات أخرى إن اتساع المعارضة بأنواعها يجب أن يؤخذ بجدية.
عندما كتبت مقالا عنوانه "لا ترفعوا الأسعار"، كانت هناك ردود قوية تخالفني وتقول "بل ارفعوا الأسعار".
كانت تلك أصوات ممن فقدوا الأمل بالسلطات التنفيذية والتشريعية، وبكل شيء عدا أصواتها، وبالتالي لم يبقَ لديها إلا أن تتحدى السلطات بأن ترفع الأسعار حتى ينهض الشارع.
كان ذلك قبل أسابيع؛ أي قبل رفع الأسعار و تمرير قانون الانتخاب بطريقة دلت على مدى الاستهانة بعقول الناس ومشاعرها والأهم الاستهانة بحياتها.
بدلاً من فهم الرسائل، سواء من خلال شعارات الحراك، أو من تذمر من هم تاريخيا من أركان النظام، تركز الحكومة، ومن يدعمها، على استهداف الحراك وشبيبته.
فتغييب دور السلطات التشريعيةـ التي تعتبر الحلقة بين السلطة التنفيذية والشعب، يجعل المواطن يأخذ زمام الأمور بيده فيخرج إلى الشارع للاعتراض بطريقة سلمية، وإذا أغلقت أمامه السبل، فحينئذ يجب أن نخاف على الأردن، ولكن من الواضح أن السلطة التنفيذية، ومعظم أعضاء السلطتين التشريعيتين، لا يخافون على البلاد، وهذا متوقع، لكن من قصر النظر أن لا يروا أن طريقتهم في الحفاظ على مصالحهم، تهدد حتى مصالحهم نفسها.