محاضرة الرئيس البخيت " قراءة إستراتيجية متقدمة"
زيد محمد النوايسة
جو 24 : في اللحظات المصيرية والمفصلية التي تواجه أي بلد وأي شعب، سواء كان جزء منها أو متأثرا فيها، يحتاج الناس للمصارحة والمكاشفة والوضوح خاصة من النخب السياسية والحزبية التي من المفترض أنها تمتلك الخبرة والتجربة والرؤيا بعيدا عن تبسيط الأمور وتسهيلها تماشيا مع المواقف الرسمية التي تكون دائما محكومة بحسابات دقيقة، بالإضافة إلى وجود تراث وموروث تاريخي من الغموض وانعدام الشفافية في العالم العربي والذي يعد بحق ظاهرة سياسية عربية بامتياز ننافس فيها جمهورية كوريا الشمالية والبانيا سابقاً !!.
في هذا السياق يمكن التوقف باهتمام بالغ عند القراءة السياسية العميقة والجريئة والصريحة، التي قدمها رئيس الوزراء الأسبق الدكتور معروف البخيت، قبل أسابيع في جمعية الشؤون الدولية وحملت عنوان "الأزمة العراقية :التحديات ومواجهاتها"، والتي لم نعتد عليها منذ زمن في بلدنا وخاصة من النخب السياسية عندما يكونوا خارج الحكم إذ يظل معظمهم يتماهي حد الانصهار مع الرؤية الرسمية المتحفظة دائما لحسابات محلية وإقليمية فرضت على الأردن.
في تلك المحاضرة تطرق الدكتور البخيت بوضوح للواقع الإقليمي وتعقيداته والمخاطر الغير مسبوقة التي تواجهه وقد تدخل المنطقة في دوامة من الصراعات الدموية وتعيد تشكيل الخريطة السياسية والجغرافية والتقسيمية حتى لتلك البلدان التي تعتقد أنها بمأمن أما بفعل تراكم الثروة الهائل أو بفعل الحماية الأمريكية انسجاما مع أهمية دورها التاريخي!!، بالرغم من أن البدائل السياسية موجودة لدى الأمريكي والإسرائيلي دائماً، ولعل الأهم هو الإشارة إلى الجذر الإقليمي في تأسيس التنظيم الإرهابي الأسود "داعش" والجهات الدولية والإقليمية والعربية الاستخبارية التي تحالفت معا لتأسيسه!! ، كل منها لخدمة حساباته ومصالحه الخاصة في مواجهة أعداء إقليميين كإيران أو بحثا عن دور سياسي لم تعطيه الجغرافيا السياسية ولا الحجم أنما الثروة فتم توظيفها بشكل أو بأخر في دعم الإرهاب وتفتيت المنطقة وإدخالها في أتون الفوضى!!، بالإضافة لإشارته للمحاور الإقليمية التي تشكلت بعد التغيير الذي حصل في مصر أخيرا، وتحذيره من مخاطر الأزمة السورية التي قد تتحول لحرب أهلية، وأهمية عدم قطع الاتصال الرسمي الأردني مع الجانب السوري بمعزل عن اتفقنا أو اختلافنا معه، لأن هناك خطر وتحدي مشترك، فخطورة سيطرة داعش على سوريا يعني بالمحصلة وجود تداعيات أمنية واقتصادية واجتماعية كارثية على الأردن.
ولعل الأهم وعلى الصعيد المحلي تحذيره الواضح في تلك المحاضرة وفي لقاءات سابقه له، من خطورة أن يتم التنازل عن حق العودة فذلك يعني التفريط بمصالح الأردن العليا، لذلك لابد من مشاركة الأردن بشكل فاعل في أي مفاوضات تسوية بين الجانب الفلسطيني وإسرائيل دفاعا عن المصالح الوطنية للدولة الأردنية.
ما يعنيني أن أشير إليه هنا ليس تلك المحاضرة القيمة على أهميتها الاستثنائية فقط، بل الإشارة إلى أن الدكتور البخيت كان دائما يتقدم بطرح رؤيته الإستراتيجية الواضحة على غيره من بعض النخب السياسية والإعلامية محليا وإقليميا، إذ لا زلت اذكر انه في الأسابيع الأولى لما سمي "ربيعا عربياً"، وفي حمأة الحماس والزهو بالتغير الحاصل في تونس عندما تعرض الرئيس التونسي السابق لخديعة قائد حرسه الرئاسي وولى هارباً، وبدايات التحركات في اليمن والبحرين ومصر وبوادر الحراك الشعبي في الأردن، كانت قراءة الدكتور البخيت تركز على أنه من المبكر الحكم على ما يجري ذلك أن المآلات النهائية ما زالت غامضة ومريبة وهو ما أكدت مصداقيته الأحداث لاحقاً، وفي الأسابيع الأولى للازمة في سوريا وفي الوقت الذي كان يخرج فيه علينا الكثير من النخب السياسية والإعلامية محليا وإقليميا وحتى دوليا معلنين بان النظام في سوريا يعيش أيامه وأسابيعه الأخيرة، رأى الدكتور البخيت بان هذا التصور مبكر ومبكر كثيرا فلدى سوريا تحالفات إقليمية ودولية وازنه وفاعله ومؤثرة، بالإضافة لوجود جيش ما زال متماسكا ولديه دفاعات جوية قوية واستحالة فرض حظر جوي أو إقامة مناطق عازله على الحدود، وبعد أيام قليلة أسقطت تلك الدفاعات طائرة تركية في مياه المتوسط وظلت المناطق العازلة والحظر الجوي مجرد أحلام للقناة الفضائية "العتيده"، لتؤكد صحة ذلك التحليل، وما زالت الحكومة السورية رغم كارثية الأوضاع متماسكة، وهي على أبواب العام الرابع من عمر الأزمة المفتوحة إلى اجل غير مسمى!!.
ختاماً، اعتقد أن المحاضرة الأخيرة للدكتور البخيت في جمعية الشؤون الدولية تشكل قراءة عميقة ومتفردة وتصلح مرجعية لتشخيص الواقع الإقليمي، وهي بحق استعراض منهجي وموضوعي للظروف والمخاطر الأمنية والسياسية التي تواجه الأردن على حدوده الأربعة، تمت صياغتها بعقلية السياسي الذي يملك تجربة مهمة في العسكرية والمفاوضات والعمل الدبلوماسي وإدارة الحكم، أنها تستحق أن تكون وثيقة إستراتيجية مهمة تتفرد بطرح الواقع دون تجميل وبشفافية وعمق في الرؤيا والطرح تسجل لصاحبها ويستحق الشكر والثناء عليها، بالإضافة للجهد المميز لجمعية الشؤون الدولية في الإضاءة على تلك المخاطر من خلال هذه المحاضرة وغيرها من النشاطات.
في هذا السياق يمكن التوقف باهتمام بالغ عند القراءة السياسية العميقة والجريئة والصريحة، التي قدمها رئيس الوزراء الأسبق الدكتور معروف البخيت، قبل أسابيع في جمعية الشؤون الدولية وحملت عنوان "الأزمة العراقية :التحديات ومواجهاتها"، والتي لم نعتد عليها منذ زمن في بلدنا وخاصة من النخب السياسية عندما يكونوا خارج الحكم إذ يظل معظمهم يتماهي حد الانصهار مع الرؤية الرسمية المتحفظة دائما لحسابات محلية وإقليمية فرضت على الأردن.
في تلك المحاضرة تطرق الدكتور البخيت بوضوح للواقع الإقليمي وتعقيداته والمخاطر الغير مسبوقة التي تواجهه وقد تدخل المنطقة في دوامة من الصراعات الدموية وتعيد تشكيل الخريطة السياسية والجغرافية والتقسيمية حتى لتلك البلدان التي تعتقد أنها بمأمن أما بفعل تراكم الثروة الهائل أو بفعل الحماية الأمريكية انسجاما مع أهمية دورها التاريخي!!، بالرغم من أن البدائل السياسية موجودة لدى الأمريكي والإسرائيلي دائماً، ولعل الأهم هو الإشارة إلى الجذر الإقليمي في تأسيس التنظيم الإرهابي الأسود "داعش" والجهات الدولية والإقليمية والعربية الاستخبارية التي تحالفت معا لتأسيسه!! ، كل منها لخدمة حساباته ومصالحه الخاصة في مواجهة أعداء إقليميين كإيران أو بحثا عن دور سياسي لم تعطيه الجغرافيا السياسية ولا الحجم أنما الثروة فتم توظيفها بشكل أو بأخر في دعم الإرهاب وتفتيت المنطقة وإدخالها في أتون الفوضى!!، بالإضافة لإشارته للمحاور الإقليمية التي تشكلت بعد التغيير الذي حصل في مصر أخيرا، وتحذيره من مخاطر الأزمة السورية التي قد تتحول لحرب أهلية، وأهمية عدم قطع الاتصال الرسمي الأردني مع الجانب السوري بمعزل عن اتفقنا أو اختلافنا معه، لأن هناك خطر وتحدي مشترك، فخطورة سيطرة داعش على سوريا يعني بالمحصلة وجود تداعيات أمنية واقتصادية واجتماعية كارثية على الأردن.
ولعل الأهم وعلى الصعيد المحلي تحذيره الواضح في تلك المحاضرة وفي لقاءات سابقه له، من خطورة أن يتم التنازل عن حق العودة فذلك يعني التفريط بمصالح الأردن العليا، لذلك لابد من مشاركة الأردن بشكل فاعل في أي مفاوضات تسوية بين الجانب الفلسطيني وإسرائيل دفاعا عن المصالح الوطنية للدولة الأردنية.
ما يعنيني أن أشير إليه هنا ليس تلك المحاضرة القيمة على أهميتها الاستثنائية فقط، بل الإشارة إلى أن الدكتور البخيت كان دائما يتقدم بطرح رؤيته الإستراتيجية الواضحة على غيره من بعض النخب السياسية والإعلامية محليا وإقليميا، إذ لا زلت اذكر انه في الأسابيع الأولى لما سمي "ربيعا عربياً"، وفي حمأة الحماس والزهو بالتغير الحاصل في تونس عندما تعرض الرئيس التونسي السابق لخديعة قائد حرسه الرئاسي وولى هارباً، وبدايات التحركات في اليمن والبحرين ومصر وبوادر الحراك الشعبي في الأردن، كانت قراءة الدكتور البخيت تركز على أنه من المبكر الحكم على ما يجري ذلك أن المآلات النهائية ما زالت غامضة ومريبة وهو ما أكدت مصداقيته الأحداث لاحقاً، وفي الأسابيع الأولى للازمة في سوريا وفي الوقت الذي كان يخرج فيه علينا الكثير من النخب السياسية والإعلامية محليا وإقليميا وحتى دوليا معلنين بان النظام في سوريا يعيش أيامه وأسابيعه الأخيرة، رأى الدكتور البخيت بان هذا التصور مبكر ومبكر كثيرا فلدى سوريا تحالفات إقليمية ودولية وازنه وفاعله ومؤثرة، بالإضافة لوجود جيش ما زال متماسكا ولديه دفاعات جوية قوية واستحالة فرض حظر جوي أو إقامة مناطق عازله على الحدود، وبعد أيام قليلة أسقطت تلك الدفاعات طائرة تركية في مياه المتوسط وظلت المناطق العازلة والحظر الجوي مجرد أحلام للقناة الفضائية "العتيده"، لتؤكد صحة ذلك التحليل، وما زالت الحكومة السورية رغم كارثية الأوضاع متماسكة، وهي على أبواب العام الرابع من عمر الأزمة المفتوحة إلى اجل غير مسمى!!.
ختاماً، اعتقد أن المحاضرة الأخيرة للدكتور البخيت في جمعية الشؤون الدولية تشكل قراءة عميقة ومتفردة وتصلح مرجعية لتشخيص الواقع الإقليمي، وهي بحق استعراض منهجي وموضوعي للظروف والمخاطر الأمنية والسياسية التي تواجه الأردن على حدوده الأربعة، تمت صياغتها بعقلية السياسي الذي يملك تجربة مهمة في العسكرية والمفاوضات والعمل الدبلوماسي وإدارة الحكم، أنها تستحق أن تكون وثيقة إستراتيجية مهمة تتفرد بطرح الواقع دون تجميل وبشفافية وعمق في الرؤيا والطرح تسجل لصاحبها ويستحق الشكر والثناء عليها، بالإضافة للجهد المميز لجمعية الشؤون الدولية في الإضاءة على تلك المخاطر من خلال هذه المحاضرة وغيرها من النشاطات.