حملة فرض القانون
فهد الخيطان
جو 24 : بقدر مشاعر الارتياح التي سادت أوساط المواطنين بعد حملة إغلاقات شنتها مؤسسة الغذاء والدواء على مطاعم مشهورة وشركات نافذة، خطرت في بال الكثيرين أسئلة حول دوافع الصحوة المتأخرة لأجهزة الرقابة الحكومية، والمغزى من وراء استهداف أسماء تجارية لامعة.
الناس على حق في إثارة أسئلة مشككة؛ فآخر مسؤول حكومي انتصر لحقهم في غذاء سليم هو وزير الصحة الأسبق عبدالرحيم ملحس "شفاه الله من المرض"، وكان ذلك قبل عقدين من الزمن تقريبا، عندما أطلق صيحته المشهورة: "غذاؤنا ودواؤنا فاسدان".
منذ ذلك التاريخ، ورغم التطور الكبير في آليات الرقابة على الغذاء، ظل "حيتان السوق" بمنأى عن المساءلة.
لا أشكك أبدا في دوافع حملة "الغذاء والدواء"، وإن كنت أتفهم مبررات المشككين. وفي اعتقادي أن السر وراء الحملة هو توفر الإرادة لدى إدارة المؤسسة لممارسة دورها المنوط بها حسب القانون، وكسر ما يمكن وصفه بالخطوط الحمراء التي لا يجوز الاقتراب منها. وقد لقي هذا الجهد دعما من مختلف مؤسسات الدولة، وهو ما شجع المؤسسة على مواصلة الحملة وتوسيع نطاقها لتشمل مناطق خارج العاصمة.
النهج الذي اتبعته مؤسسة الغذاء والدواء هو مثال على الطريقة التي يمكن لمؤسسات الدولة أن تستعيد من خلالها ثقة المواطنين بالدولة كراع لمصالح الناس، وواجبها بتطبيق القانون على الجميع بدون حصانة لأحد مهما بلغت شهرته أو مكانته.
لكن المطلوب ليس "حملة" تنقضي في أسابيع أو أشهر، بل سياسة دائمة وفي جميع القطاعات.
لقد فرّطت الحكومات المتعاقبة بسلطة القانون، وخضعت لكل أشكال الابتزاز، وتورطت في التحايل على التشريعات والأنظمة، وخرقت بنفسها سلطة القانون، وتنازلت عن دورها الدستوري في تطبيقه، وشرّعت كل أشكال التجاوز على سيادة الدولة وحقها الحصري في ممارسة السلطة وتطبيق القانون على الجميع بدون استثناءات.
كان هذا النهج مكلفا للغاية، وها نحن اليوم ندفع ثمنه من هيبة الدولة ومركزها الأخلاقي.
واجب الدولة بكل مؤسساتها اليوم أن تشن حملة لبسط سلطة القانون على القطاعات كافة، وأن تجعل منها سياسة ثابتة ومستمرة وليست مجرد حدث موسمي.
نحتاج إلى حملة لوقف الاعتداءات على مصادر وخطوط المياه، وأخرى لحماية الكهرباء من التعديات. ونحن في أمس الحاجة إلى تشريعات تحمي المستهلكين من جشع الأسواق، وتضمن نظاما ضريبيا عادلا، وعدالة في توزيع مكتسبات التنمية والخدمات، ونظاما تعليميا متنورا ومنصفا للفقراء قبل الأغنياء، وسياسة توظيف لا تخضع للواسطة، ونظام قبول جامعي عادلا وتنافسيا.
سيادة القانون جوهر عملية الإصلاح، بدونها لن نتقدم خطوة واحدة إلى الأمام. وكلما أمعنا النظر في فضائل دولة القانون، سندرك قيمة التغيير ومدى الحاجة إلى إصلاح جذري يعيد الثقة والهيبة إلى مؤسسات الدولة."الغد"
الناس على حق في إثارة أسئلة مشككة؛ فآخر مسؤول حكومي انتصر لحقهم في غذاء سليم هو وزير الصحة الأسبق عبدالرحيم ملحس "شفاه الله من المرض"، وكان ذلك قبل عقدين من الزمن تقريبا، عندما أطلق صيحته المشهورة: "غذاؤنا ودواؤنا فاسدان".
منذ ذلك التاريخ، ورغم التطور الكبير في آليات الرقابة على الغذاء، ظل "حيتان السوق" بمنأى عن المساءلة.
لا أشكك أبدا في دوافع حملة "الغذاء والدواء"، وإن كنت أتفهم مبررات المشككين. وفي اعتقادي أن السر وراء الحملة هو توفر الإرادة لدى إدارة المؤسسة لممارسة دورها المنوط بها حسب القانون، وكسر ما يمكن وصفه بالخطوط الحمراء التي لا يجوز الاقتراب منها. وقد لقي هذا الجهد دعما من مختلف مؤسسات الدولة، وهو ما شجع المؤسسة على مواصلة الحملة وتوسيع نطاقها لتشمل مناطق خارج العاصمة.
النهج الذي اتبعته مؤسسة الغذاء والدواء هو مثال على الطريقة التي يمكن لمؤسسات الدولة أن تستعيد من خلالها ثقة المواطنين بالدولة كراع لمصالح الناس، وواجبها بتطبيق القانون على الجميع بدون حصانة لأحد مهما بلغت شهرته أو مكانته.
لكن المطلوب ليس "حملة" تنقضي في أسابيع أو أشهر، بل سياسة دائمة وفي جميع القطاعات.
لقد فرّطت الحكومات المتعاقبة بسلطة القانون، وخضعت لكل أشكال الابتزاز، وتورطت في التحايل على التشريعات والأنظمة، وخرقت بنفسها سلطة القانون، وتنازلت عن دورها الدستوري في تطبيقه، وشرّعت كل أشكال التجاوز على سيادة الدولة وحقها الحصري في ممارسة السلطة وتطبيق القانون على الجميع بدون استثناءات.
كان هذا النهج مكلفا للغاية، وها نحن اليوم ندفع ثمنه من هيبة الدولة ومركزها الأخلاقي.
واجب الدولة بكل مؤسساتها اليوم أن تشن حملة لبسط سلطة القانون على القطاعات كافة، وأن تجعل منها سياسة ثابتة ومستمرة وليست مجرد حدث موسمي.
نحتاج إلى حملة لوقف الاعتداءات على مصادر وخطوط المياه، وأخرى لحماية الكهرباء من التعديات. ونحن في أمس الحاجة إلى تشريعات تحمي المستهلكين من جشع الأسواق، وتضمن نظاما ضريبيا عادلا، وعدالة في توزيع مكتسبات التنمية والخدمات، ونظاما تعليميا متنورا ومنصفا للفقراء قبل الأغنياء، وسياسة توظيف لا تخضع للواسطة، ونظام قبول جامعي عادلا وتنافسيا.
سيادة القانون جوهر عملية الإصلاح، بدونها لن نتقدم خطوة واحدة إلى الأمام. وكلما أمعنا النظر في فضائل دولة القانون، سندرك قيمة التغيير ومدى الحاجة إلى إصلاح جذري يعيد الثقة والهيبة إلى مؤسسات الدولة."الغد"