الحكومة الأردنية تغزو الفضاء العالمي
إذا ما قيض للحكومة الأردنية أن تنجح في مسعاها للسيطرة على فضاء الإعلام الالكتروني، فإن ذلك سيعد على المستوى العالمي إنجازا يفوق في أهميته إنجازات البرنامج الفضائي الأميركي، ورحلة المسبار الأخيرة إلى كوكب المريخ!
لقد بذلت دولة عملاقة مثل الصين جهودا مضنية للتحكم بتدفق المعلومات عبر شبكة الإنترنت، لكنها فشلت فشلا ذريعا. وحاولت الولايات المتحدة الأميركية، بكل ما عرف عنها من تفوق تكنولوجي، تعطيل موقع "ويكيليكس"، لكن صاحب الموقع جوليان أسانج، وبإمكانات فردية متواضعة، تفوق عليها، ونجح في نشر ملايين الوثائق المسربة من خزائن وزارة الخارجية الأميركية، معتمدا على شبكة واسعة من المواقع على الشبكة العنكبوتية.
الأمر لا يتعلق ببضعة مواقع الكترونية تسبب الصداع لكبار المسؤولين، وترتكب مخالفات صريحة لمبادئ مهنة الصحافة وأخلاقياتها تزعج عامة الناس. يمكن للتعديلات المقترحة على قانون المطبوعات أن تلجم بالفعل هذه المواقع، وأن تغلق العديد منها. لكن، ماذا بوسع الرقابة أن تفعل مع مئات المدونات على "النت"، والتي أصبحت تقوم مقام المواقع الإعلامية؛ تنقل الأخبار على هواها، وتنشر التعليقات، دون اعتبار لقائمة المحظورات في القوانين؟ وقد تتمكن الحكومة من حجب موقع الكتروني "غير مرخص"، مع أن شابا مبتدئا في عالم الكمبيوتر صار بوسعه إلغاء "البروكسي" في دقائق. لكن، ماذا ستفعل مع صفحة الموقع ذاته على "الفيسبوك"؟
وعلى سيرة "الفيسبوك"، هناك ما يزيد على مليون ونصف المليون مشترك أردني في الموقع، يتداولون الأخبار ويعلقون عليها بنسبة تفوق معدلات التعليق والتفاعل على المواقع الإخبارية. لا أحد، بالطبع، يستطيع تعطيل أو حجب صفحات "الفيسبوك" إلا أصحابها وإدارة الموقع.
ويبرز "تويتر" كتحد أكبر؛ فقد تحول بالفعل إلى وكالة أنباء عالمية، لا تخضع لقيد أو شرط. إذ يكفي أن ينشئ الشخص حسابا على الموقع ليعبر عما يشاء من آراء، بدون أن تتمكن سلطة من محاسبته.
في التعديلات المقترحة من طرف الحكومة على قانون المطبوعات أمور إيجابية، وهي المتعلقة بتسريع إجراءات التقاضي، وإنشاء غرفة قضائية متخصصة في قضايا المطبوعات في محاكم البداية.
أما إلزامية التسجيل للمواقع الإلكترونية، فهي فكرة غير عملية على الإطلاق، ومن الأفضل جعلها اختيارية، مقابل حوافز تقدم لتلك المواقع، ومعاملتها على قدم المساواة مع الصحف المطبوعة في الإعلانات وحقوق تغطية النشاطات الرسمية.
تقول مصادر الحكومة إن هناك أكثر من 400 موقع إخباري في الأردن. ولو افترضنا، جدلا، أنها جميعها وافقت على الترخيص، فكيف لها أن توفر هذا العدد من رؤساء التحرير المتفرغين وأعضاء النقابة، خاصة إذا علمنا أن "عمومية الصحفيين" تزيد على مئات بقليل، وغالبيتهم عاملون؟
لم نفهم بالضبط ما الذي تعنيه التعديلات في حجب المواقع الأجنبية غير المرخصة؛ هل تفكر الحكومة فعلا في إخضاع مؤسسات إعلامية عالمية لقانون المطبوعات الأردني؟ وهل يعني ذلك، مثلا، حجب موقع "الجزيرة نت" الذي ينشر أخبارا وتعليقات بسقف مرتفع جدا، أو موقعي "العربية" و"بي. بي. سي"، وغيرها من المواقع العالمية التي تنقل أخبارا عن الأردن لا تتوافق ومعايير النشر في المواقع المحلية؟!
إن هذا ضرب من الجنون لا يمكن تخيله.
لقد فهمت حكومتنا خطأ مقولة "العالم قرية صغيرة"، وخيل إليها أن بالإمكان غزوها والسيطرة عليها ما دامت صغيرة!
(الغد)