بالخبز وحده ستسافرون..!
ابراهيم عبدالمجيد القيسي
جو 24 : دعونا من الذكاء الأسود، والاستشارات الاقتصادية العابرة للمنطق والضمير والأخلاق، ويجب أن تهبط المركبة الفضائية الى الأرض، ويتفضل روادها لملامسة الأرض بأقدامهم، ففي التراب حمم راقدة، لا يمكنهم أن يتفهموا رقودها أو ركودها عبر هذه المسافة..أرجوكم اهبطوا الى أرضنا واختبروا ما يتوقد على سطحها وتحت ترابها .. كلام الدعم والبطاقات الالكترونية والتعويض والأيدي التي تمتد الى الرغيف، كله كلام فضائي، باطل، ينطوي على اغتراب عن الناس وهمومهم ومشاكلهم، حتى لا نقول ينطوي على سوء نوايا تجاه هذا البلد المبتلى، وإن كان هذا عنوان وثيقة الأردن 2015 ،فيؤسفني أن أبشركم بأنه لن تضطروا لانتظار 10 أعوام لتحققوا فاجعة بهذه القسوة والغباء، ستضمحل الأرض وتلفظ أنفاسها قبل انتهاء 10 أعوام، لأنه من المستحيل أن ينخرط الناس في حرب جديدة مستحيلة مع رغيف الخبز، حتى وإن قرر المواطن أن يقدم كل فروض الولاء والطاعة لهؤلاء الذين لا يأكلون الخبز أصلا، ويتنازل عن لقمة عيشه البائسة لتصبح أيضا في عداد قائمة المستحيلات اليومية.. ألا يعلم هؤلاء المستشارون المتأنسنون بأنه ثمة بشرا كثرا، دخلهم محدود ومعدود، ويمضون النصف الثاني من الشهر يقترضون حتى ثمن رغيف الخبز بسعره الحالي؟ فكيف سيفعل هؤلاء حين يتطلب الأمر أكثر من 150 دينارا شهريا للخبز وحده؟ ولا نتحدث عن السوق المتوحشة وتجارها الذين سيضاعفون هذا الرقم على الغلابى، ليتجاوز 500 دينار شهريا على أقل تقدير، فارتفاع سعر أي سلعة تتم ترجمته في الموسوعة الأردنية لسوق «الأسعار القياسية» الى أرقام مضاعفة 3 أو أربع مرات.. دعونا من خدعة الدعم النقدي والبطاقات الالكترونية، وأقترح عليكم عدم العودة الى مثل هذا الحديث، لأنه يقدم رواية كاملة عن التمادي في اختبار واستثارة الناس ضد كل شيء.. نؤكد ونقول كل شيء.. كل شيء..كل شيء. من يعتبر قصة رفع الدعم عن المحروقات ملهمة، فهو مخطىء و «غشيم»، وليس من الذكاء أن ينكأ جرحا بهذه العفونة والورم، فالقصة ليست مقياسا لا وطنيا ولا منطقيا باعتبارها طريقة ناجحة لتحرير وتمرير القرارات غير الشعبية، لأنه حين يفعل فهو يضع كل الدفاتر على الطاولة، ويجب عليه عندئذ أن يكون مستعدا لجردة حساب، لن تستثني كل شهقة أو زفرة هواء دخلت أو خرجت من رئته ورئة الحكومات جميعا.. لا تقتربوا من الخبز، ولا تطلقوا «فتاشات» في سمائنا فهي مشبعة بعوامل الاشتعال.. وجنبونا والوطن شر المغامرات الفاشلة، التي يدفع ثمنها الفقراء والبؤساء والمحترمون الصابرون.. الخبز وحده سيكون تذكرة سفركم الى مجهول غامض، فسافروا إن شئتم، لكن الوطن وما ينفع الناس هو الذي يمكث فيها .
الدستور
الدستور