هل غرقت قبل اليوم في صوت باتيستا..؟!
«شفت الملك»؛ لدى دخوله مسرح مركز الحسين الثقافي، كنت أجلس على مقربة من المدخل، فسمعته يقول للرئيس الفلسطيني : «بنّسّق»..
ووصل الى المكان المعد له أمام المسرح، ثم عزف السلام الملكي الأردني ..وانطلق الحفل:
لا أتحدث عن الأعياد التي تحتفل بها الكنائس في الأردن، إلا وتكون البداية من الربة وكنيستها، التي تعلمت فيها اول الحروف وأنشدت أول الأناشيد مع الأطفال في مدرسة «الست نجلا»، سيدة المعلمات جميعا، وعندما أتحدث عن الربة والكنيسة لا بد أن أتابع الحديث عن قرايبي الزريقات، وعن كل اسم ووجه وشارع وبيت في القرية..كل عام وأهلي الزريقات بكل خير وألق ومحبة وسلام..
أشعر بالخجل و»بنعجق» عند كلمة «أردني مسيحي وأردني مسلم»، كلمة لم أعتد التلفظ بها في تلك القرية، ولم أعلم بأنها موجودة حقا الا بعد أن نبت الريش على أجنحتي وطرت خارج القرية، «إحنا ما فيه عندنا مسلم ومسيحي، فيه اردني طيب اصيل وبس، هكذا كنا وعشنا وكبرنا لا نعلم عن تمييز على أساس دين، فكلنا عائلة واحدة ..وقد كنت كتبت في هذه الزاوية مقالة او أكثر عن الكنيسة والناس هناك، وذكرت نموذجا من العلاقات الأردنية الاجتماعية الفريدة، طالبت وما زلت بتعميمه على كل الدنيا لتصبح مكانا صالحا للبشر الذين أكرمهم الله بالمحبة والسلام والخير والعقل.
حضرت أمس الأول احتفال الكنائس في الأردن والقدس بعيد ميلاد سيدنا المسيح عليه السلام، وقد جرى في مركز الحسين الثقافي التابع لأمانة عمان برعاية ملكية «بديهية» سامية، رافق جلالته ولي العهد الأمير الحسين، والرئيس الفلسطيني محمود عباس، ولم أكمل الحفل الى النهاية بسبب «الغرق»، فأنا لمن لا يعلم «أغرق بشبر موسيقى»، وهذا ما فعله بي صوت باتيستا، التي لم أفهم لغتها، لكن الدموع احتبست في حلقي طويلا، ففاجأتني حالة أخرى من مخاض إنساني، غادرت على إثرها المدرج، فانا لا أتخيل نفسي يكفكف الناس دموعي في مناسبة ومكان كهذين.. ليش جبتوا باتيستا « صوتها دمااار وانهار موسيقى على هيئة انفجار عظمته في دقته ورقّته..عذرا باتيتسا ساتوقف هنا، فالذاكرة تتأهب لاستحضار المشهد، ولا أريد أن ينتهي اليوم ولا أكتب مقالتي...»..سابحث عن صوتك حتى اجده كلما حنّ القلب للقرية وللجميلين في عالم قاس وقلب ينسى كل شيء سوى الجمال الالهي في أصوات الملائكة.
جلالة الملك عبدالله الثاني؛ هو صاحب الوصاية على المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس، وهذا بالضبط همّه الأخلاقي والسياسي كلما لاح من القدس برق أو هدر رعد، فالجهد الصهيوني المتواصل لطمس معالم المدينة المقدسة، وسائر المؤامرات والمحاولات والمشاورات والتحالفات التي تستهدف هذه الوصاية، مكشوفة، يعرفها جلالته ويسعى دوما للقيام بواجبه التاريخي الذي ورثه عن العترة الهاشمية الصالحة، التي قدمت روحها فداء للقدس ولكل مجد عربي اسلامي ومسيحي.
يدرك الأردنيون والفلسطينيون وسائر المسلمين والعرب، بأن هذه الأرض هي مهد المسيحية، وهي الأرض المباركة التي شهدت ميلاد المسيح عليه السلام، الذي أكرمه الله بأنه رسول للسلام والمحبة والصفح والتسامح، وهي أخلاق أتباعه العرب «لا أعرف غيرهم ممثلين للمسيحية»، مع احترامي لكل الناس ولكل اتباع الديانات على الكوكب، فالكنيسة الشرقية هي كنيسة المسيح، فيها كنيسة القيامة، التي تقع في عين الرعاية الهاشمية، ولن يتنازل عنها وعن الوصاية عليها مهما بلغ حجم الشر والحقد والتآمر.
لو أتيح لي المجال لسؤال جلالته أو سؤال الرئيس محمود عباس، لسألت عن الأمر الذي قال جلالته بشأنه مخاطبا عباس «بنّسّق»، وليس الأمر معتمدا فقط على المهنة وبحثها عن الحقائق، بل لأفهم أكثر حقيقة هذا الحضور من قبل الرئيس عباس لهذه المناسبة في الأردن برفقة جلالة الملك، فالإشارة الأهم «سياسية»، متعلقة بما يدور في الخفاء ويستهدف المقدسات في القدس الشريف وفي سائر فلسطين، حيث وحدة الموقف الأردني والفلسطيني والتنسيق فيه، من أهم متطلبات الوقوف ضد الأطماع الغربية بحلول للقضية الفلسطينية على حساب الأردن وفلسطين.
لا أملك ترف المساحة والوقت للحديث في السياسة عن هذه المناسبة، لكنني أملك الوقت دوما لدعم أهلي وأحبتي من الزريقات ومن سائر الأردنيين والناس من أتباع سيدنا عيسى عليه السلام..أنتم بخير دوما بمشيئة الله ما دمتم اصل واهل هذه البلاد المباركة، كل عام وكل الأيام وأنتم بخير، يا رسل وسفراء المحبة والسلام .