هل تستجيب الجهات المانحة لتوجهات الزراعة؟
كعادتها؛ تتزاحم عدة ملفات على طاولة السياسيين في الحكومة، وجزء كبير منها متعلق بالقطاع الحيوي، الذي له كل العلاقة بالسماء وما تجود على الناس، حين يغدق عليها الله بالمطر فتهتز وتربو..وتنبعث أشكال الحياة كلها..
تحسين الانتاج، وإيجاد فرص لتشغيل الناس.. هما المحوران الأبرز في أولويات وأهداف الحكومة، وقد يكونان مجرد شعارين لو تحدثنا عنهما بعيدا عن القطاع الزراعي، أو أن ننتظر كثيرا إن كنا نرجوا نتائج حولهما من خارج القطاع الزراعي على وجه التحديد، فكل البنى التحتية «تقريبا» متوافرة في القطاع الزراعي لرؤية أداء وانتاج أفضل، أو نلمس فرص عمل حقيقية، تعبر عن وجود تنمية حقيقية..
يتحدث وزير الزراعة بثقة حول عدة ملفات زراعية، ويحاول أن يقدم نتائج ملموسة على هذا الصعيد، ولعل هذا التوجه هو أبرز ملامح الاستراتيجية التي يحاول الوزير الشحاحدة أن يعمل عليها، ويوجه الوزارة العتيقة الكبيرة للمضي فيها قدما، حتى يتمكن المواطن والعامل في القطاع الزراعي أو قريبا منه، أن يلمسوا نتائج فعلية، تتجاوز التنظير أو التحضير الذي تعاني منه كل آليات التنمية، حين تعتمد على المنح والمساعدات الخارجية، حيث لكل جهة قوانينها وأسلوبها في تحقيق التنمية في المجتمعات والدول التي تستهدفها بدعومها ومنحها المالية الهادفة لرفع سوية التنمية في ذلك المجتمع.
اجتمعت الجهات المانحة اجتماعا غير رسمي في وزارة الزراعة قبل أيام، تابعت جانبا منه، ولمست إيجابية أثناء حديثي مع بعض المتحدثين الممثلين للجهات المانحة، حيث عبروا عن تفاؤلهم بهذا التوجه، واعتبروها خطوة إيجابية، بناء على توجهات وزارة الزراعة التي طرحها الوزير خلال الاجتماع، وهي مبادرة تأتي ضمن المحورين الرئيسيين المذكورين (تحسين الانتاج، وتوفير فرص عمل)، حيث دعا الوزير الشحاحدة الى تنفيذ مشاريع تحقق نتائج ملموسة للناس ولها كل العلاقة بحياتهم وأمنهم الغذائي وأنماط تفاعلهم مع التنمية وأداواتها وتطوير مكتسباتها.
يتحدث الوزير عن التصنيع الزراعي، باعتباره ثقافة وساحة استثمار زراعية – صناعية ممكنة، فالثقافة الزراعية الدارجة والكسولة هي التي تعتمد على زراعة المحاصيل أو العناية بالأشجار والثروة الحيوانية، ثم جمع المحصول او قطف الثمار وتجميع المواليد وعرضها في الأسواق، التي تعاني بدورها من ظروف قد تخرج أحيانا عن طاقة ورأي واختصاص الدولة الأردنية، فإغلاقات الحدود مثلا، التي عانى منها الأردن سنوات بسبب النزاعات الإقليمية، قد تتسبب في انهيار اقتصادات كبيرة، فكيف تفعل ببلد محدود الموارد كالأردن..حيث عشنا وما زلنا نعاني تلك الظروف المتعلقة بانغلاق الحدود القسري، فالملاحظة الكلاسيكية الكبيرة التي تعيشها الزراعة الأردنية تكمن في مواسم الحصاد والقطاف والولادة في الثروة الحيوانية، وهي مواسم ثابتة، تحتاج لظروف تسويقية مثالية، يتلاشى 70% من مثاليتها تقريبا، إن تم اغلاق الحدود، فلا مجال لتصدير خضروات وفواكه وزيوت وماشية جوا أو التفافا عبر طرق البحار الطويلة، بسبب الكلفة الباهظة للنقل، وانعطاب المنتجات وعدم صلاحيتها ان مكثت طويلا بسبب طول طريق التصدير..
ولعل المثال السابق يكفي لتوضيح طريقة تفكير وزارة الزراعة، وسبب اجتماعها مع الجهات المانحة للبحث عن حلول ناجحة ومؤثرة في الحياة العامة الأردنية، لا سيما في القطاع الذي يحتل المرتبة الأولى على صعيد الناتج القومي الأردني.
الزراعة تحث الخطى تجاه التصنيع الزراعي، وتفعيل التنمية الريفية وأدواتها، والبحث عن زراعات جديدة ناجحة والاقبال على زراعة محاصيل الوفرة، وإرساء ثقافة تنموية لدى الشباب الأردني والمرأة الريفية الأردنية بعد قصص النجاح الفردية التي حدثت، وتطالب الجهات المانحة أن توجه دعمها المالي الى مشاريع من هذا النوع، ليتمكن المواطن وخلال أشهر قليلة أن يلمس أثرا إيجابيا يدفعه لتطوير مهاراته، وتحسين أدواته لمزيد من تنمية وفائدة تعود عليه وعلى استثماره او على أسرته الصغيرة.
قد نفهم عدم تدخل الحكومة في الاستثمار بأن تكون طرفا فيه، بناء على الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها حوالي 200 دولة حول العالم، لكن سيطرة بعض الجهات الرسمية وشبه الرسمية على أسواق الخضروات والفواكه، قد يكون سببا في تفاقم المزيد من المشاكل التسويقية وارتفاع الأسعار بالنسبة للمستهلك وتدنيها بالنسبة للمزارع المنتج..حيث يوجد حلقات استثمارية تجارية «بحتة»، تتغول على المنتج والمستهلك وتسيطر على مساحة كبيرة من القرار التسويقي، فلماذا لا تتم إعادة النظر في أدوار تلك المؤسسات والجهات، بل قل لماذا لا تعطون الخبز لخبازه؟!.
وزارة الزراعة قادرة تماما على إدارة السواق وتنظيمها وتفعيلها وتنمية الصناعات الزراعية فيها أو حولها، وهو دور لا يمكن لجهة أخرى غير مختصة أن تقدم فيه «انتاجا أحسن، ولا أن تسمح لمزيد من القوى البشرية لمزاحمتها بالعمل فيه».