دولتنا قوية والخلل في بعض الناس ..
هي ليست مجرد كلمة حق، أقولها كصحفي ومهنتي اعلامية تقع في صلب توجيه الرأي العام، بل هي معلومة تبعث على الاعتزاز في نفسي كمواطن أردني، لا سيما في هذه المرحلة التي نشهد فيها جموحا غير محمود في الرأي والثقافة وسرعة الحكم والاستنتاج الخاطىء، ناهيكم عن الإساءة و»التبلي» التي أصبحت مهنة بالنسبة لبعض من مواطنينا..
كلكم؛ شاهدتم فيديو مفبركا، قام بإنتاجه بعض عديمي الضمير والأخلاق، منزوعي الشعور بغيرهم من المواطنين، يبطنون عداء واضحا للخير والحق من خلال عدائيتهم الصريحة للدولة ولمؤسساتها، وكأنها دولة احتلال !..ظهر في الفيديو أشخاص، يشتمون أجهزة الدولة ومؤسساتها والقائمين عليها، ويقسمون أغلظ الأيمان بأنهم أنقذوا أطفالا من السيول، ويكذبون أنفسهم من خلال لقطات الفيديو، فهم يحملون أطفالا يقفون خلفهم ويظهرونهم لعين الكاميرا باعتبارهم مصابين وكانوا في حالة غرق، أو ابحار في الوحل، بينما هم في كامل قيافتهم وعافيتهم وصحتهم ! ..مثل هؤلاء يجب أن تتم معالجتهم ولو كنت أملك الوقت الكافي لقمت برفع دعوى شخصية ضدهم، باعتباري مواطنا أردنيا، وباعتباري صحفيا معنيا بالحقيقة..
كثير من الذين يمطرونا بالتحليلات العبقرية حول تقصير الحكومة والمؤسسات في القيام بواجبهم، هم «كذابون»، «طلابون لنجومية رخيصة هي بحجم شتيمة وعار في جبينهم»، فهم الطابور الرابع والخامس والعاشر الذي يحارب الوطن ومؤسساته، ويتجنى على مواقف جنوده وموظفيه الأمينين، الذين قاموا بكل المطلوب وعلى درجة عالية من الاتقان، وحققوا نتائج مشرفة، وبدقة وسرعة تبعث على الاعتزاز بهذه الجهود.
مجابهة الظروف الطبيعية الجامحة ليست بالأمر السهل على الدول، لكنها كذلك على «المرتكي»، المسكون بالعظمة الكاذبة، المبتلى بالجهل، ومنزوع الشعور بالإنسانية، وكل هؤلاء لدينا مثلهم، تأبى أمراضهم الا أن تطفو على سطح المشهد في كل موقف صعب نواجهه، فهم الذين يمطرونا بالأكاذيب والآراء المتطرفة المبنية على الحقد على كل شيء، فلا نسمع أو نشاهد منهم سوى انتقادات مبنية على أكاذيب وفبركات، وتطورت أدواتهم اليوم ليفبركو مشاهد ومسرحيات هابطة، يلعنهم كل من يشاهدها، وهنا أشير إلى تلك الأعمال الشبيهة التي انتشرت حول سوريا بداية انطلاق الفوضى فيها، والتي دفعتها لتقديم خسائر وتضحيات سيتذكرها الشعب السوري، ما دامت سوريا على خارطة العالم، والأمثلة المشابهة كثيرة، يعرفها الطفل قبل الطاعن في السن والهم والجهل والمرض.
ما الذي لا تفهمونه أو لا تشعرون به، حين تشاهدون شبابنا في القوات المسلحة الباسلة والدفاع المدني والأمن العام وجهاز الدرك وموظفينا الحكوميين في الأشغال العامة وفي البلديات وفي القطاع الصحي، يقدمون كل ما يستطيعون لإنقاذ الناس من الغرق وغيره؟ هل شاهدتم الجنود الذين تلطخوا بالوحل وسهروا ليال متتابعة بلا نوم، وقرصهم البرد وأجهدهم التعب؟ هؤلاء ليسوا جنودا مستوردين ولا هم جنود في جيش احتلال أو متطوعين متعددي الجنسيات، هم أبناؤنا وإخواننا الذين نفذوا الواجب وقدموا تضحيات تقع خارج سياق الأوامر أحيانا، ودفعوا حيواتهم ثمنا، وكانت عائلاتهم أيضا ضحايا، هؤلاء هم الرجال الذين يحمون الوطن حتى «مهابيله»، لا يفرقون بين مواطن يقدر جهودهم ويحترمها، وآخر مريض مهزوم ينتقدها ويعتبرها فسادا وهزيمة، بينما هو منبطح ككتلة من أذى ومرض، لا تنبعث منها سوى روائح السوء والشر.
أثبتت الدولة الأردنية بأنها دولة قوية بمؤسساتها، التي أصبحت بيوت خبرة تبعث على مزيد من أمل بمستقبل أفضل، وما زالت الأجهزة الأمنية والمساندة لها تقدم أروع الصور في المهنية والمقدرة على التعامل مع الأزمات، ولم تمر أكثر من 48 ساعة على انطلاق البحث في مئات الآلاف من الدونمات المغطاة بالأوحال والمياه والرمال الطينية المتحركة والصخور وسائر المخلفات والفضلات، وأعلنوا عن انتهاء البحث عن المفقودين، بنجاح كامل ، حيث لم يتبق مفقودا واحدا، وهي النتيجة التي تحققت في سويعات أثناء موجة السيول الأولى التي ضربت في البحر الميت، فالبحث اكتمل بنجاح في الليلة نفسها ولم تمض 24 ساعة على وقوع الكارثة، وهذه نتائج لا تحققها أية دولة حسب معلوماتي، فجهود البحث عن المفقودين في الأحداث المشابهة تستغرق أياما، وأحيانا تتوقف بلا نجاح، حيث لا يتم العثور على بعض المفقودين..وهذا أمر لم يحدث عندنا والحمد لله، فتخيلوا لو تم وقف عمليات البحث وما زال مواطنا واحدا مفقودا! ماذا تتوقعون من أفعال وانتقادات وروايات وتحليلات واستنتاجات من المرضى المذكورين؟..
لعن الله كل متجن على الدولة والوطن وناكر لهذه البطولات والتضحيات والجهود الأردنية الكبيرة، جاحد للخير الذي يرفل فيه ولا يستحق ربعه لو أنصفنا..سحقا للمرض والشر والجهل والتطرف.