لماذا ترتفع أسعار بعض الخضروات؟!..
في مواسم؛ يرتفع صخب الشكوى والتبرم من ارتفاع أسعار بعض أنواع الخضروات، حالة نعيشها كل عام تقريبا، وعلى هامشها نسمع أحاديث مكررة، تتقصى ما يمكن من إثارة باتهام لوزارة الزراعة وللدولة كلها، ودوما يسلك الاعلام المتوتر نفس السلوك لتختفي الحقائق مؤقتا، ثم تعود وتنجلي، حتى الأسعار المذكورة، تهبط هبوطا لافتا، فينتهي المشهد في حالة نهائية من تردد المشاعر، كتلك التي تنتاب الناس قبل انحباس المطر وبعد انهماره مدرارا.
لن أكتب ردا على أي متسائل «يخبّث خواطر الناس» باتهامات عشوائية، لكنني بالتأكيد اتحدث عن فكرة تغيب وعن حقائق لا تنال اهتمام الباحثين عن الاثارة والتشكيك والتنغيص على المواطنين وعلى المزارعين..
الخلل في الأسواق؛ ظاهرة عالمية، تعاني منها الدول والشركات ويعاني منها المستهلك حول العالم، فنظريات السوق كثيرة وسلوكها قد يجنح للوحشية والتغول على قارات بأكملها، وفي الحالة التي نتحدث عنها والتي تتعلق بأسعار سلع زراعية كالبطاطا والبصل وربما البندورة، حالة معروفة قد تثار بواقع مرتين في العام، وتستمر لمدة لا تزيد عن شهر في الفترتين، وهي مبنية على عدة اعتبارات، تفهمها الدولة ويفهمها المواطن و»يستغلها» بعض التجار والجهات الاعلامية التي تتصيد مشاعر الناس قبل البحث عن الحقائق، لتعزف معزوفتها المهترئة، ولا يجني الناس من وراء هذه الأخبار الا المزيد من الحنق وانهيار الثقة.
المشاكل التسويقية للمنتجات الزراعية، مشاكل أردنية وعالمية حقيقية؛ نعرفها ونعيشها على امتداد عمر الدولة الأردنية، وتقوم وزارة الزراعة في السنوات الأخيرة بمحاولات لحل هذه المشاكل، التي تحدث في كل الدول او تتسبب فيها جهات تجارية محلية ودولية، وقد عملت الحكومات الاردنية ومن خلال وزارة الزراعة على تخفيف وطأة هذه الحالات من ارتفاع أسعار بعض المنتجات الزراعية المحلية، فواجب الوزارة رعاية ودعم القطاع الزراعي وحمايته وتنظيم عمله، والحرص على توفير منتجات زراعية بجودة عالية وسعر مناسب للمستهلك الأردني، واجب معروف وعملت الوزارة على تحقيقه ونجحت في كل مرة، وحين يرتفع سعر منتج زراعي ما الى حدود خارجة عن المألوف، تتدخل الوزارة ضمن قوانينها وسياساتها، وتحدد إجراءات تناسب الحالة، وحين نجد سعر كيلو البطاطا يقفز في السوق، تقوم الوزارة على الفور بفتح باب استيراد هذا المنتج، ولا يلبث السعر المرتفع سوى أيام، ليعود راشدا منطقيا، بسبب التنافسية التي تسري في السوق فور فتح باب الاستيراد، وتقوم الوزارة بفتح باب التصدير حين يتدنى سعر المنتجات الزراعية، وفي حال وجود اختناقات تسويقية سببها فائض الانتاج، وهو الفائض الذي قامت الوزارة بتبني سياسات جديدة لعدم حدوثه، حين أعادت الإرشاد الزراعي الى الوزارة وقامت بتفعيله، لدعم المزارع وتوجيهه لزراعات معينة، تضمن الوزارة أن يتم تسويقه داخليا وخارجيا بسلاسة، وبسعر مناسب للمزارع وللمستهلك.
قد نجد في مثل هذه الظروف الموسمية المؤقتة أن منتجا زراعيا ما، يبيعه المزارع من المزرعة بسعر متدن نسبيا، وذلك مقارنة مع سعره في السوق، وهذه معضلة كبيرة تواجه المستهلك والمزارع ووزارة الزراعة أيضا، لكن ثمة حلقات كبيرة بين المزارع والمستهلك لا علاقة مباشرة أو مسؤولية لوزارة الزراعة عليها، فالعرض والطلب وسياسات السوق لا تقع ضمن مسؤولية وزارة الزراعة، ولا حتى ضمن مسؤولية الدولة الأردنية، التي انضمت الى اتفاقيات السوق العالمية، الداعية للتنافسية وحرية مرور السلع في السوق وعبر الحدود، فلا علاقة للحكومة كلها بهذه المعضلة ولا تتدخل الا بإعلان تسعيرة السلع للمستهلك، دون تحديدها، ضمانا لحرية الاختيار من قبل المستهلك، الذي يجب عليه أن يغير ثقافته الاستهلاكية، ويبحث عن السلعة المناسبة بالسعر المناسب، وهذه حالة موجودة في أسواقنا ويمكننا أن نلمسها لو سألنا عن سعر نفس السلعة في محلين تجاريين او في شارعين.
كلنا نعلم بأنه يوجد مظاهر احتكارية لدى كثير من التجار على اختلاف انواع تجارتهم، وفي حالة المنتجات الزراعية، فوزارة الزراعة تقوم بواجبها القانوني والوطني بناء على القوانين والصلاحيات المتاحة، وتنجح في كل مرة بتهدئة أسعار المنتجات الزراعية، وقد أفصحت الحكومة قبل شهر تقريبا عن إجراءات ستقوم بها، من أجل مزيد من السيطرة على مثل هذه الحالات من جموح مؤقت لأسعار بعض السلع الزراعية أو انخفاضها بشكل يضر بالزراعة وبالعائلات التي تعتاش منها..
وزير الزراعة المهندس ابراهيم الشحاحدة يضع هذا الملف في سلم اولوياته، وعلى الرغم من «تأفف» بعض الجهات التجارية، إلا أنه يفصح لهم دوما، بأن السعر المنطقي لأي منتج زراعي هو غايتنا في الوزارة وفي أولويات الحكومة، ويؤكد بأن الوزارة تضع مائدة المواطن الأردني ضمن أولى أولوياتها لا سيما في مثل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة.